- صورة المرأة الحبلى
( فينوس لوسل، فينوس فيستونيسن، فينوس ويليندورف.. )، كثيرة هي تماثيل الدمى التي سماها تحبباً مختصو آثار ما قبل التاريخ في أوربا بفينوس آلهة الحب والجمال الرومانية. وهم يعنون تماثيل امرأة العصر الحجري الشهيرة بهيئتها التي توحي بالتعبير عن شخصية الأم الكبرى، أو بموضوع الخصوبة الأنثوية.
http://www.orientflash.com/upload/6834_1173950681316_1604536737_441177_567633_n.jpg
يعبر البعض من هذه التماثيل، بطريقة اللغة الشكلية، عن موضوع الولادة، بأسلوب بسيط ومباشر، لا يقبل الشك ولا المحاورة بتضمينه معان إضافية، لا طاقة ولا حاجة لإنسان العصور الحجرية في مناقشتها.
وثمة البعض من هذه المنحوتات التي مثلت عصرها كانت قد أنجزت بأسلوب وصفي ومتكامل، مثال النحت البارز ( لفينوس لوسل )، أو امرأة القرن الموجود حالياً في متحف ( بوردو ) في جنوب فرنسا.
ربما يثير العدد الكبير من تماثيل امرأة العصر الحجري إيحاءً بمعان متناقضة في فهم موضوع الولادة بسبب من عدم إتباعه صورة واحدة للمرأة الحبلى. ففي الكثير من أعداد هذه التماثيل نرى هيئة امرأة رشيقة بالضد مما اعتدنا عليه من صورة المرأة الممتلئة. وقد يدفع هذا النوع من الملاحظة على عدم القناعة بموضوع الولادة الذي يطمح فنان العصر الحجري التعبير عنه.
إن هذه الاختلافات الشكلية في هيئات جسد المرأة كانت قد تحققت خلال أزمان غير محددة بالقدم، خلال أربعين ألف سنة من النشاط الفني، من قبل شعوب مختلفة سكنت مقاطعات متباعدة شملت قسم كبير من الأرض الأوربية. أيضاً من الممكن إرجاع هذه الاختلافات إلى ظاهرة تطور جسد المرأة الحامل أثناء شهور الحمل التسعة.
إن التأكيد على تحقيق موضوع جسد المرأة، على اختلاف هيئتها، هي الفكرة الأهم في فهم موضوع الولادة أو الخصب، فالمرأة في الطبيعة كما في الفن هي المعنية بعملية الإنجاب، أيضاً ينطبق هذا المعنى على كل أنثى أنواع الحيوان التي تملأ صورها جدران كهوف ما قبل التاريخ
عمر الإنسان
( نشاط الصيد المضني، وفيات الأطفال وفقر المناعة ضد الأمراض جعلت أعمار أكثر من ثلث السكان في العصر الحجري القديم لا تتجاوز العشرين سنة وإن الأمل بالحياة يصل بالكاد إلى أربعين سنة و خمسة رجال من مائة رجل يعيشون من أربعين إلى خمسين سنة. ) ( Histoire universelle de l'art, Join Sureda, p21 )
إن معد ل أمل الحياة القصير واتساع ظاهرة الموت في مجتمع وصل إلى حد معقد ومتطور من الإحساس ومن التعبير الفني، يكون من الطبيعي، إن هذا المجتمع قد وقف على أهمية معنى الحياة وإدراك الحاجة إلى فهم ظاهرة الولادة والموت والحلم بحياة أطول نسبياً. تظهر الآثار القليلة، التي تعني بموضوع الموت في قبور العصر الحجري، على نوع خاص بالاهتمام بمسألة الموت. وإن عملية دفن الميت نفسها تعكس سبباً إنسانياً له علاقة بتقليد لممارسة دينية واعية، ثم تأتي هيئة وضعية الجثمان في القبر التي اقترب تشكيلها من وضعية الجنين الإنساني في الرحم. ( هذا التقليد أو الممارسة ما زال معمولاً به عند الكثير من الشعوب أو التجمعات السكانية ) بالإضافة إلى ما صاحبها من أشياء كمالية وعملية من حلى وأدوات ومن استخدام مطحون مادة القرميد الأحمر التي غطت أرضية القبر. أيضاً نلاحظ التعبير عن هذه الحيوية في استخدام مادة القرميد الأحمر في طلاء بعض الملاجئ الحجرية ومداخل الكهوف. وقد استمرت ممارسة طلاء واجهات الأبنية والتماثيل من أجل إضافة عنصر الحيوية لها، عند الكثير من المجتمعات الإنسانية حتى العصور الحديثة.
حيوية الحركة
يتأكد عنصر الحيوية أو الاهتمام بموضوع الحياة في أغلب رسوم الحيوان في فن ما قبل التاريخ. لقد عبر فنان العصر الحجري عن هذه الحيوية بتحقيق الحركات المميزة المهمة عند الحيوان المطلوب التعبير عنه. فبالإضافة إلى حركات الحيوان المألوفة في الطبيعة، من ظاهرة الركض والمواجهة والانبطاح، نلتقي بحركات تعبر عن مشاهد لها علاقة بموضوع الأمومة، مثال حركة أنثى الحيوان الأم وهي تلوي رقبتها إلى الخلف نحو وليدها الرضيع، حيث نلتقي بهذا الموضوع الأزلي وقد حافظ على تعبيريته في شكله هذا عند حضارات تاريخية قديمة مختلفة، مثل السومرية والفرعونية.
تعبير مباشر
يتأكد الاهتمام بموضوع الحياة في فن ما قبل التاريخ في رسوم الحيوان التي عبرت بأساليب مختلفة عن موضوع الولادة. ففي الأسلوب الأول لجأ الفنان إلى التعبير المباشر في صورة أنثى الحيوان الحبلى، حيث نلتقي بهذا الموضوع في كهف ( لاسكو، Lascaux ) في فرنسا، ابتداءً من ثاني صورة من مدخل الكهف وهي صورة الحيوان المبهم النوع الذي أطلقت عليه تسمية ( ليكورن ) ثم نلتقي بأكثر من أنثى حبلى كما في مجموعة ( الخيول الصينية ) ومجموعة الأبقار وفي أماكن مختلفة من نفس الكهف. ولا يقتصر موضوع الأنثى الحبلى على كهف ( لاسكو ) وإنما يتعمم على مجموع كهوف العصر الحجري في أوربا، على وجه الخصوص، كهوف فرنسا وأسبانيا الغنية بالرسوم.
يأتي الأسلوب الثاني بتمثيل الولادة بكثير من التعبيرية والفنية. إذ استخدم فنان العصر الحجري، مرة ثانية، صفة التمثيل المباشر باستخدام لغة الوصف أو أسلوب السرد الذي تحقق برسم صورة للحيوان في داخل صورة لنفس الحيوان. تتسع هذه الظاهرة في أغلب رسوم الحيوان في كهف ( شوفة، Chauvet ) في فرنسا، إذ نراها في صور مجموعة الأسود ووحيد القرن وصورة الماموث، أيضاً نلتقي بها في كهوف اخرى، في صورة حصان صغير داخل صورة الفرس ضمن مجموعة صور الثيران ـ البيزون في كهف ( التاميرا، Altamira ) في أسبانيا. كذلك في الصورة المحققة بطريقة الحفر على الجدار الحجري ( كرافيك ) لحصان داخل الحصان في كهف ( لي كومبارال، Les Combarelles ) في فرنسا. وفي أحيان كثيرة نلتقي بصور تنحى نفس الطريقة التعبيرية في رسم الحيوان داخل الحيوان، لكن لحيوانين مختلفين بالنوع، مثل الحصان والبيزون أو الحصان والأيل وأشكال لحيوانات وكائنات أخرى لا يجمعها أصل. يتم التعبير عن هذه الظاهرة بطرق متنوعة التحقيق والأسلوب فالأول يتم برسم صورة صغيرة للحيوان في داخل صورة أكبر، إن كانت صورة متكاملة أم نصفية، وهو تعبير مشترك بين أغلب الكهوف التي تضمنت هذا النوع من موضوع الحيوان، أما الأسلوب الثاني فيكون برسم خطوط موازية لهيئة الحيوان الخارجية تحيط به وكأنها تشير إلى وجود رسم لحيوان ثاني وربما تكررت الخطوط بنفس الطريقة فتوحي بموضوع القطيع أو بحيوية مشحونة بالحركة كما في أغلب رسوم كهف (شوفة ).
بالإضافة إلى التعقيد الذي تطرحه فكرة رسم حيوانين متداخلين، فهي ممكن لها أن توضح الأسلوب الذي شكل وما زال يشكل عقبة حقيقة في فهم طريقة تفكير فنان العصر الحجري، في كل تلك الرسوم المركبة أو المتطابقة، التي يبدو عليها وكأنها تراكمت عفوياً وبفعل مرور الأزمان الطويلة في تحقيق كل خط من أشكالها، إن كانت مواضيع هذه الرسوم محققة بالخدش أو الحفر أو التصوير الملون.
إن مواضيع الرسوم المركبة أو المتطابقة، أو بمعنى أوضح، تلك الرسوم التي تحققت على رسوم كانت موجودة قبلها في أزمان غير محددة، هي الغالبة في فن العصر الحجري. فبالرغم من اقترابها بطريقة التعبير من رسوم موضوع حيوان داخل الحيوان، فأنها تبتعد عنها فنياً بسبب من الفوضى وفكرة الصدفة التي يمكن أن يخلقها تراكم أعداد الرسوم المضافة، التي، بطبيعة الأمر، تختلف عن الرسوم التي سبقتها بالتحقيق. لكن حالما يختفي الإحساس بعنصر الفوضى وتتضح معقولية وأسباب هذه الرسوم بمتابعة الخطوط الخاصة بكل صورة من زحمة الأشكال المعقدة. لا تكمن صعوبة التعقيد في فرز الرسوم المتراكمة، التي ممكن فرزها ببساطة أو حتى إدراكها مجتمعة معاً.
إن الصعوبة تكمن في فهم طريقة تفكير الفنان الذي استخدم في كل مجموعة منها طريقة مختلفة في تجميع وتطابق رسوم حيواناته وشخصياته التي ممكن أن تكون إنسانية أو تجريدية أو حتى خيالية. ففي الحالة الأولى، على سبيل المثال، نجد إن الفنان كان قد عمل على إشراك خطاً أو أكثر في رسم حيوانين، أي إن الخط الذي خصص بتحديد ظهر الحيوان الأول هو نفسه الذي سيحدد ظهر الحيوان الآخر وهكذا نجد نفس الظاهرة في أشراك خطوط أعضاء الحيوان الأخرى بين حيوانين أو أكثر. والطريقة الثانية التي تبدو عفوية التحقيق، عمد فيها فنان العصر الحجري على جمع صور غير مكتملة مع صور ذات هيئة متكاملة الحدود، أو صور مجتمعة بتراكم أو باتصال على غير موضوع. إن التقارب بين ظاهرة رسم الحيوان في داخل صورة حيوان مع ظاهرة الرسوم المتراكمة أو المتطابقة، ممكن له أن يشترك بالمعنى العام لموضوع الولادة، بكل تأكيد، ليس بمعزل من التأثير الزمني والتقليدي لمجتمع الفنان الذي حققه.
لجأ فنان العصر الحجري في التعبير عن الحياة من خلال موضوع الولادة إلى أساليب متنوعة الطبائع وهي بذلك تدعو للتأمل في القدرات الفكريةـ الثقافية والفنية لإنسان ما قبل التاريخ. ففي صورة موضوع المرأة الحبلى وأنثى الحيوان الحبلى، يتجلى وضوح تعبير المباشرة في هيئة البطن الممتلئة عند المرأة كما عند أنثى الحيوان، في حين، إن عنصر هذه المباشرة في التعبير التشكيلي لا يتحقق بدون التصور الذهني لما يمكن أن تتضمنه تلك البطن الممتلئة، أي إن هذه المباشرة بالتعبير مسبوقة بقبول فكري ـ ثقافي لصورة الجنين في مجموع حالاته، إن كان طفل إنسان أم صغير حيوان. أما التعبير المباشر المدعوم بالشرح والوصف في صورة الحيوان داخل الحيوان فهي طريقة ثانية تأكد الحاجة إلى فهم عملية الولادة فنياً أيضاً تأكد تعقد عملية التصور الفني الذي يتجاوز فكرة محاكاة الطبيعة أو حتى فكرة الاستعارة من الطبيعة. إن إعادة تشكيل الفكرة في موضوع الحيوان داخل الحيوان في الجمع بين موضوعين مختلفين من أجل التعبير عن موضوع ثالث تفصح عن وعي فني ذو هدف واضح.
( فينوس لوسل، فينوس فيستونيسن، فينوس ويليندورف.. )، كثيرة هي تماثيل الدمى التي سماها تحبباً مختصو آثار ما قبل التاريخ في أوربا بفينوس آلهة الحب والجمال الرومانية. وهم يعنون تماثيل امرأة العصر الحجري الشهيرة بهيئتها التي توحي بالتعبير عن شخصية الأم الكبرى، أو بموضوع الخصوبة الأنثوية.
http://www.orientflash.com/upload/6834_1173950681316_1604536737_441177_567633_n.jpg
يعبر البعض من هذه التماثيل، بطريقة اللغة الشكلية، عن موضوع الولادة، بأسلوب بسيط ومباشر، لا يقبل الشك ولا المحاورة بتضمينه معان إضافية، لا طاقة ولا حاجة لإنسان العصور الحجرية في مناقشتها.
وثمة البعض من هذه المنحوتات التي مثلت عصرها كانت قد أنجزت بأسلوب وصفي ومتكامل، مثال النحت البارز ( لفينوس لوسل )، أو امرأة القرن الموجود حالياً في متحف ( بوردو ) في جنوب فرنسا.
ربما يثير العدد الكبير من تماثيل امرأة العصر الحجري إيحاءً بمعان متناقضة في فهم موضوع الولادة بسبب من عدم إتباعه صورة واحدة للمرأة الحبلى. ففي الكثير من أعداد هذه التماثيل نرى هيئة امرأة رشيقة بالضد مما اعتدنا عليه من صورة المرأة الممتلئة. وقد يدفع هذا النوع من الملاحظة على عدم القناعة بموضوع الولادة الذي يطمح فنان العصر الحجري التعبير عنه.
إن هذه الاختلافات الشكلية في هيئات جسد المرأة كانت قد تحققت خلال أزمان غير محددة بالقدم، خلال أربعين ألف سنة من النشاط الفني، من قبل شعوب مختلفة سكنت مقاطعات متباعدة شملت قسم كبير من الأرض الأوربية. أيضاً من الممكن إرجاع هذه الاختلافات إلى ظاهرة تطور جسد المرأة الحامل أثناء شهور الحمل التسعة.
إن التأكيد على تحقيق موضوع جسد المرأة، على اختلاف هيئتها، هي الفكرة الأهم في فهم موضوع الولادة أو الخصب، فالمرأة في الطبيعة كما في الفن هي المعنية بعملية الإنجاب، أيضاً ينطبق هذا المعنى على كل أنثى أنواع الحيوان التي تملأ صورها جدران كهوف ما قبل التاريخ
عمر الإنسان
( نشاط الصيد المضني، وفيات الأطفال وفقر المناعة ضد الأمراض جعلت أعمار أكثر من ثلث السكان في العصر الحجري القديم لا تتجاوز العشرين سنة وإن الأمل بالحياة يصل بالكاد إلى أربعين سنة و خمسة رجال من مائة رجل يعيشون من أربعين إلى خمسين سنة. ) ( Histoire universelle de l'art, Join Sureda, p21 )
إن معد ل أمل الحياة القصير واتساع ظاهرة الموت في مجتمع وصل إلى حد معقد ومتطور من الإحساس ومن التعبير الفني، يكون من الطبيعي، إن هذا المجتمع قد وقف على أهمية معنى الحياة وإدراك الحاجة إلى فهم ظاهرة الولادة والموت والحلم بحياة أطول نسبياً. تظهر الآثار القليلة، التي تعني بموضوع الموت في قبور العصر الحجري، على نوع خاص بالاهتمام بمسألة الموت. وإن عملية دفن الميت نفسها تعكس سبباً إنسانياً له علاقة بتقليد لممارسة دينية واعية، ثم تأتي هيئة وضعية الجثمان في القبر التي اقترب تشكيلها من وضعية الجنين الإنساني في الرحم. ( هذا التقليد أو الممارسة ما زال معمولاً به عند الكثير من الشعوب أو التجمعات السكانية ) بالإضافة إلى ما صاحبها من أشياء كمالية وعملية من حلى وأدوات ومن استخدام مطحون مادة القرميد الأحمر التي غطت أرضية القبر. أيضاً نلاحظ التعبير عن هذه الحيوية في استخدام مادة القرميد الأحمر في طلاء بعض الملاجئ الحجرية ومداخل الكهوف. وقد استمرت ممارسة طلاء واجهات الأبنية والتماثيل من أجل إضافة عنصر الحيوية لها، عند الكثير من المجتمعات الإنسانية حتى العصور الحديثة.
حيوية الحركة
يتأكد عنصر الحيوية أو الاهتمام بموضوع الحياة في أغلب رسوم الحيوان في فن ما قبل التاريخ. لقد عبر فنان العصر الحجري عن هذه الحيوية بتحقيق الحركات المميزة المهمة عند الحيوان المطلوب التعبير عنه. فبالإضافة إلى حركات الحيوان المألوفة في الطبيعة، من ظاهرة الركض والمواجهة والانبطاح، نلتقي بحركات تعبر عن مشاهد لها علاقة بموضوع الأمومة، مثال حركة أنثى الحيوان الأم وهي تلوي رقبتها إلى الخلف نحو وليدها الرضيع، حيث نلتقي بهذا الموضوع الأزلي وقد حافظ على تعبيريته في شكله هذا عند حضارات تاريخية قديمة مختلفة، مثل السومرية والفرعونية.
تعبير مباشر
يتأكد الاهتمام بموضوع الحياة في فن ما قبل التاريخ في رسوم الحيوان التي عبرت بأساليب مختلفة عن موضوع الولادة. ففي الأسلوب الأول لجأ الفنان إلى التعبير المباشر في صورة أنثى الحيوان الحبلى، حيث نلتقي بهذا الموضوع في كهف ( لاسكو، Lascaux ) في فرنسا، ابتداءً من ثاني صورة من مدخل الكهف وهي صورة الحيوان المبهم النوع الذي أطلقت عليه تسمية ( ليكورن ) ثم نلتقي بأكثر من أنثى حبلى كما في مجموعة ( الخيول الصينية ) ومجموعة الأبقار وفي أماكن مختلفة من نفس الكهف. ولا يقتصر موضوع الأنثى الحبلى على كهف ( لاسكو ) وإنما يتعمم على مجموع كهوف العصر الحجري في أوربا، على وجه الخصوص، كهوف فرنسا وأسبانيا الغنية بالرسوم.
يأتي الأسلوب الثاني بتمثيل الولادة بكثير من التعبيرية والفنية. إذ استخدم فنان العصر الحجري، مرة ثانية، صفة التمثيل المباشر باستخدام لغة الوصف أو أسلوب السرد الذي تحقق برسم صورة للحيوان في داخل صورة لنفس الحيوان. تتسع هذه الظاهرة في أغلب رسوم الحيوان في كهف ( شوفة، Chauvet ) في فرنسا، إذ نراها في صور مجموعة الأسود ووحيد القرن وصورة الماموث، أيضاً نلتقي بها في كهوف اخرى، في صورة حصان صغير داخل صورة الفرس ضمن مجموعة صور الثيران ـ البيزون في كهف ( التاميرا، Altamira ) في أسبانيا. كذلك في الصورة المحققة بطريقة الحفر على الجدار الحجري ( كرافيك ) لحصان داخل الحصان في كهف ( لي كومبارال، Les Combarelles ) في فرنسا. وفي أحيان كثيرة نلتقي بصور تنحى نفس الطريقة التعبيرية في رسم الحيوان داخل الحيوان، لكن لحيوانين مختلفين بالنوع، مثل الحصان والبيزون أو الحصان والأيل وأشكال لحيوانات وكائنات أخرى لا يجمعها أصل. يتم التعبير عن هذه الظاهرة بطرق متنوعة التحقيق والأسلوب فالأول يتم برسم صورة صغيرة للحيوان في داخل صورة أكبر، إن كانت صورة متكاملة أم نصفية، وهو تعبير مشترك بين أغلب الكهوف التي تضمنت هذا النوع من موضوع الحيوان، أما الأسلوب الثاني فيكون برسم خطوط موازية لهيئة الحيوان الخارجية تحيط به وكأنها تشير إلى وجود رسم لحيوان ثاني وربما تكررت الخطوط بنفس الطريقة فتوحي بموضوع القطيع أو بحيوية مشحونة بالحركة كما في أغلب رسوم كهف (شوفة ).
بالإضافة إلى التعقيد الذي تطرحه فكرة رسم حيوانين متداخلين، فهي ممكن لها أن توضح الأسلوب الذي شكل وما زال يشكل عقبة حقيقة في فهم طريقة تفكير فنان العصر الحجري، في كل تلك الرسوم المركبة أو المتطابقة، التي يبدو عليها وكأنها تراكمت عفوياً وبفعل مرور الأزمان الطويلة في تحقيق كل خط من أشكالها، إن كانت مواضيع هذه الرسوم محققة بالخدش أو الحفر أو التصوير الملون.
إن مواضيع الرسوم المركبة أو المتطابقة، أو بمعنى أوضح، تلك الرسوم التي تحققت على رسوم كانت موجودة قبلها في أزمان غير محددة، هي الغالبة في فن العصر الحجري. فبالرغم من اقترابها بطريقة التعبير من رسوم موضوع حيوان داخل الحيوان، فأنها تبتعد عنها فنياً بسبب من الفوضى وفكرة الصدفة التي يمكن أن يخلقها تراكم أعداد الرسوم المضافة، التي، بطبيعة الأمر، تختلف عن الرسوم التي سبقتها بالتحقيق. لكن حالما يختفي الإحساس بعنصر الفوضى وتتضح معقولية وأسباب هذه الرسوم بمتابعة الخطوط الخاصة بكل صورة من زحمة الأشكال المعقدة. لا تكمن صعوبة التعقيد في فرز الرسوم المتراكمة، التي ممكن فرزها ببساطة أو حتى إدراكها مجتمعة معاً.
إن الصعوبة تكمن في فهم طريقة تفكير الفنان الذي استخدم في كل مجموعة منها طريقة مختلفة في تجميع وتطابق رسوم حيواناته وشخصياته التي ممكن أن تكون إنسانية أو تجريدية أو حتى خيالية. ففي الحالة الأولى، على سبيل المثال، نجد إن الفنان كان قد عمل على إشراك خطاً أو أكثر في رسم حيوانين، أي إن الخط الذي خصص بتحديد ظهر الحيوان الأول هو نفسه الذي سيحدد ظهر الحيوان الآخر وهكذا نجد نفس الظاهرة في أشراك خطوط أعضاء الحيوان الأخرى بين حيوانين أو أكثر. والطريقة الثانية التي تبدو عفوية التحقيق، عمد فيها فنان العصر الحجري على جمع صور غير مكتملة مع صور ذات هيئة متكاملة الحدود، أو صور مجتمعة بتراكم أو باتصال على غير موضوع. إن التقارب بين ظاهرة رسم الحيوان في داخل صورة حيوان مع ظاهرة الرسوم المتراكمة أو المتطابقة، ممكن له أن يشترك بالمعنى العام لموضوع الولادة، بكل تأكيد، ليس بمعزل من التأثير الزمني والتقليدي لمجتمع الفنان الذي حققه.
لجأ فنان العصر الحجري في التعبير عن الحياة من خلال موضوع الولادة إلى أساليب متنوعة الطبائع وهي بذلك تدعو للتأمل في القدرات الفكريةـ الثقافية والفنية لإنسان ما قبل التاريخ. ففي صورة موضوع المرأة الحبلى وأنثى الحيوان الحبلى، يتجلى وضوح تعبير المباشرة في هيئة البطن الممتلئة عند المرأة كما عند أنثى الحيوان، في حين، إن عنصر هذه المباشرة في التعبير التشكيلي لا يتحقق بدون التصور الذهني لما يمكن أن تتضمنه تلك البطن الممتلئة، أي إن هذه المباشرة بالتعبير مسبوقة بقبول فكري ـ ثقافي لصورة الجنين في مجموع حالاته، إن كان طفل إنسان أم صغير حيوان. أما التعبير المباشر المدعوم بالشرح والوصف في صورة الحيوان داخل الحيوان فهي طريقة ثانية تأكد الحاجة إلى فهم عملية الولادة فنياً أيضاً تأكد تعقد عملية التصور الفني الذي يتجاوز فكرة محاكاة الطبيعة أو حتى فكرة الاستعارة من الطبيعة. إن إعادة تشكيل الفكرة في موضوع الحيوان داخل الحيوان في الجمع بين موضوعين مختلفين من أجل التعبير عن موضوع ثالث تفصح عن وعي فني ذو هدف واضح.