::: قصة الذبح :::
الحمد لله و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمد عبده و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم أما بعد ، قصة سيدنا إبراهيم كما في سورة الصافات تتضمن دعوته لقومه و ما كادوه به و ما جعل الله عز وجل له من العاقبة و النصر و التمكين ثم الجزء الثاني وهي قصة الذبح
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ *فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ *وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ *وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ* سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ *كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }
قوله سبحانه [وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ]
من شيعة نوح عليه السلام و من أتباعه علي ملته و دينه كم من الزمن بين نوح و إبراهيم عليهم السلام زمن طويل و لكنهم امة واحدة و يشايع بعضا و يوافق بعضهم بعضا و نحن نسأل الله أن يجعلنا من شيعتهم و من طائفتهم فالإسلام دين الله عز و جل الذي جاء به جميع الأنبياء و أمتنا أمة واحدة رغم تباعد الأزمان و العصور و رغم تباعد الأمكنة و الحدود و رغم اختلاف الألوان و الألسنة ورغم اختلاف الأجناس والطباع أمتنا أمة واحدة لابد أن نستشعر هذا المعني المتكرر في قصص القرآن العظيم و الذي يظهر جليا في هذه الأيام المباركات أيام ذهاب الناس إلي حج بيت الله الحرام من كل حدب و صوب .
{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } ،
كيف شايعه وهو بينه و بينه من الزمن ما الله أعلم به و مع ذلك نقول نعم هذه المشايعة وهذه الموافقة و هذه النصرة علي تباعد الزمن لأنه نصر دينه و سعي إلي إعلاء كلمة التوحيد كلمة لا إليه إلا الله .
{ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ،
ما أحسن هذا الثناء و ما أعظم هذا الوصف جاء ربه بقلب سليم سلم من الشرك سلم من كل ما يسخط الله سبحانه وتعالي سلم من كل ما يكرهه الله من قلوب بني آدم إبراهيم الأواه الحليم الذاكر لله عز وجل المنيب إلي الله سبحانه و تعالي المسبح القانط المداوم علي الطاعة المحب لله عز و جل الخليل أي الذي أحبه الله حبا عظيما و ما كان ذاك إلا لسلامة قلبه و كمال حبه و انقياده لله عز وجل و امتثاله لأوامر الله سبحانه و تعالي و كلماته كلها و إذ أبتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن كل الكلمات التي أمر بها طبعا أتمها و لذا قال و إبراهيم الذي وفي أختبر في نفسه أولا فضحي بها لله فردها الله عليه سالمة غانمة أبتلي في نفسه بتكليف معين كالختان أخنتن بالقدوم وهو أبن ثمانين سنة قطع هذه الجلدة وهو أبن ثمانين سنة لما كلف أن يفعل ذلك و بالقدوم و هذه هي الآلة المعروفة و لم يكن هناك إمكانيات أحسن من ذلك في الإمكانيات الجراحية مثلا و مع ذلك أمتثل مهما كانت النتائج ، و بعد ذلك أبتلي في أغلي ما يحبه الإنسان الولد فأوتي الولد علي الكبر و أبتلي كذلك أن يتولي بنفسه ذبحه فوفي في كل ذلك الله سلم هذا القلب السليم الذي سلم لله عز وجل إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين هذا هو الإسلام عباد الله أن تسلم وجهك لله أن تقول ربي الله و تخليت أن تتخلي عن كل ما يسخط الله سبحانه وتعالي أن تستسلم لأوامر الله راضيا بقلبك طيبة نفسك بهذا الانقياد و ليس ترغمها إرغاما و تأخذها أخذا للطاعة وهي لا تحبها القلب السليم يقبل علي الطاعة و يضحي في سبيل الله عز وجل بالغالي و النفيس و يستعذب كل أمر صعب أو مؤلم كذا كان إبراهيم صلي الله عليه و سلم و لا ينجوا يوم القيامة إلا من أتي الله بقلب سليم سلم من الشرك أولا و سلم من كل ما يغضب الله قال عز وجل علي لسان إبراهيم في دعائه و لا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم ،
{ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } ، استفهام للاستنكار كما قال (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ أفكا ) السؤال ليس المقصود به السؤال لأنه يعرف أنهم يعبدون أصناما قالوا (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ) كما في الآية الأخرى و مع ذلك يسألهم لكي يحرك في ذهنهم الفكر و الفهم و محاولة التدبر كيف يعبد الإنسان ما ينحت كيف يعبد ما يصنع هو بنفسه كما يتعجب الإنسان من كل أهل الملل الباطلة من كل أهل الملل غير ملة الإسلام كيف تسني لهم أن يقبلوا كل هذه المتناقضات كيف تسني لقوم أن ينحتوا أصناما , إذا تم نحتها صارت هي الآلهة و صارت تقرب لها القرابين و تذبح لها الذبائح و يطاف بها و تعظم و ما زال أقوام من البشر يعبدون الأصنام و ليس ببعيد هؤلاء الأعداء من الهندوس يعبدون البقر بالإضافة إلي الأصنام عجب من الإنسان أن يعبد ما هو أدني منه بقرة تسير في أنحاء العالم لا تفقه شيئا تذبح ذبحا تحلب حلبا تحرث الأرض و هكذا و مع ذلك يوجد من يعبدها ما هو الخلل في كيان الإنسان أن يعبد هذه الآلهة الباطلة هناك من يعبد الفئران و هناك من يعبد الصلبان و هناك من يعبد ثالث ثلاثة و يعبد آلهة ثلاثة و يتناقض فيقولون واحد و هي ثلاثة يعبدون غير الله من الأحبار و الرهبان يقول النصارى المسيح بن الله و يقول اليهود العزير بن الله يتعجب الإنسان ممن يعبد غير الله كيف تعبدون غير الله قضية العبادة أعظم قضية بعث بها الأنبياء ليس قضية الأخلاق هي القضية الأولي قضية الأخلاق نابعة من قضية العبودية إذا فصلت عنها كانت خطر كبيرا كانت بلا قيمة لو أن إنسان أدعي لله صاحبة وولدا أو عبد مع الله غيره علي سبيل الوساطة و الشفاعة و طلب منه قضاء الحاجات و المدد و كشف الكربات و شفاء الأمراض و إنجاح الأولاد و كانت أخلاقه طيبه جدا مسالم حسن العشرة مع الجيران لكنه يعتقد أن غير الله ينفع و يضر أو غير الله يحكم و يشرع أو غير الله سبحانه يدبر الكون والعياذ بالله أو كما ذكرنا أتخذ لله عز وجل ندا نعوذ بالله من ذلك لا تنفعه الأخلاق إذا أول قضية يجب أن يبحث عنها قضية العبودية ماذا تعبدون يبني الولاء و البراء علي هذه القضية و الحب و البغض علي هذه القضية النصرة و الطاعة و المتابعة علي هذه القضية قضية العبودية لله عز و جل ليس قبلها شئ لأنها الحكمة من خلق الإنس و الجن قال تعالي : و ما خلقت الإنس و الجن إلا ليعبدون فكيف تهمل هذه القضية و كيف يقال للناس دعونا من قضية ماذا يعبد هؤلاء و ماذا يعبد هؤلاء كل إنسان يعبد ما يريد و ما يشتهي نعوذ بالله الحرية المزعومة في حرية اختيار الآلهة التي يعبدها الإنسان هي حرية الكفر و العياذ بالله ليست بحرية كما هي عبودية للشيطان .
{ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ } ،
أئفكا أي باطلا مبتدعا آلهة مصطنعة تطلبون رضاها و تطلبون منها قضاء الحاجات و تريدون أن تتقربوا إليها من دون الله سبحانه وتعالي
كما قال: { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } ،
فردوا كما في الآية الأخرى { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }
تقليد أعمي عجيب الشأن ليس عندهم من حجة إلا أنهم وجدوا الآباء يفعلون ذلك ببلاهة و غباء و يقرون أنها لا تنفع و لا تضر ولا تسمع و هي تحتاج لمن ينصرها و من يقيمها و من يحفظها ، لما كسرها ووجدوها مكسرة قالوا من فعل هذا بآلهتنا لم يقولوا الآلهة تعاركت لماذا كسر بعضها بعضا قطعا هم فاهمين إن الآلهة ما تقدرش تعمل حاجة لوحدها قطعيا في فاعل قالوا من فعل هذا بآلهتنا يبقي الآلهة دي يفعل بها نسأل الله العافية هذا من العجب الذي عليه اكثر الخلق ، أكثر الخلق يعبدون غير الله ، ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ )
قال (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) فسوء الظن بالله من أعظم أسباب الشرك و عدم معرفة أسماء الله و صفاته سبحانه وتعالي و ربوبيته وألوهيته كما قال تعالي ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) عدم معرفة العقيدة في الله سبحانه وتعالي و في أسمائه و صفاته مردي و مهلك مهماكانت أعمال الإنسان بعد ذلك و من أعتقد في الله سبحانه وتعالي ما لا يجوز و أعتقد معه الأنداد و الشركاء و الأولاد و الأعوان و نحو ذلك لم ينفعه عمل و لو ظل عمره كله يعبد الله فيما يزعم أو يعبد الله مع ما يعبده من دونه كما روي أن عمر مر علي راهب في صومعة فجعل عمر يبكي فسئل عن ذلك فقال تذكرت قول الله عز و جل (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً *)
يتعب نفسه و العياذ بالله ويعمل عمل مجهد واحد كان بيقول بيزرع البذرة و ما يأكلش حتي تطلع الشجرة و أكيد بيخدعوه لأنه سيموت طبعا ،
واحد تاني يقولك قعد خمسة و عشرين سنة ما جابش علي جسمه مياه و العياذ بالله ده بلاء عظيم جدا لا يستنجي من بول و لا براز و لا بيستحم خمسة و عشرين سنة و يعذب نفسه و يحرم نفسه من كل لذات الدنيا من طعام و شراب و نساء و مع ذلك علي عقيدة فاسدة و مع ذلك إيه يصلي نارا حامية يبقي نصب و تعب و مع ذلك في الضياع ، أكثر أهل الارض يعملون و ينصبون يشتغلوا شغل من نار و في النهاية شقاء في الدنيا و الآخرة نعوذ بالله و لذلك هم عندهم حقد علي أهل الإسلام و عايزين يشقوهم كمان مثل ما هم في شقاء .
{ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } كيف تظنون بالله ظن السوء ووجود الأنداد و الشركاء و الآلهة من دونه
{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) أراد إبراهيم أن يحتال بحيلة كي يصل لتكسير الأصنام و هم كان لهم عيد فنظر نظرة في السماء ثم قال لهم إني سقيم و ذلك من التعريض لكي يتركوه و لا يذهب معهم عيدهم كان لهم عيد يخرجون فيه إلي النزهة و الفسحة فأراد إبراهيم ألا يخرج فقال إني سقيم و هذا معني و هناك معني آخر يعني سأسقم فما من أحد إلا يصيبه السقم ، كما قال تعالي ( إنك ميت ) يعني إيه ميت يعني سوف تموت و إنهم ميتون و كذلك إني مريض بمعني إيه سوف أمرض الإنسان مريض عاجز يعني لابد له في النهاية أن يسقم حتي لو قبل الموت لابد يبقي في سبب في الموت يحصل هبوط في ضغط الدم في القلب مفيش إنسان يخلوا من المرض
أو إني سقيم منكم يعني قلبي متألم مما تعتقدون في الله عز وجل { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } تعريض في الكلام لكي يفروا عنهم و يتركوه و لا يذهب معهم العيد { فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ } أسرعوا إلي العيد اللهو و اللعب أهم و تركوا الآلهة ( فَرَاغَ [ أسرع ] إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ ) عندهم قرابين موضوعة سيدنا إبراهيم بيستهزئ بهم و إلا فهو يعلم أنها لا تجيب و لكن من غيظه منها و من ضيقه منها أراد أن يستهزئ بها و يستخف فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُون و هذا ليس صفة كمال في الحقيقة و لكن أن الذي لا يجيب لا ينطق و لا ينزه نفسه يقول لا أحتاج إلي الأكل لا يجب علي الإطلاق مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُون من شدة الغيظ يقول هذا الكلام وهو في الحقيقة كأنه يخاطب قومه في حواره مع هذه الآلهة التي لا تتكلم فراغ عليهم ضربا باليمين جعل يكسرها جميعا إلا كبيرا لهم صنما كبيرا تركه
{ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ }
عادوا من العيد مسرعين يسألون ما الخبر وجدوا الآلهة مكسرة إلا الصنم الكبير لم يفكروا قطعا أن الآلهة أختصمت أو أن الكبير غار لنفسه فكسر الصغار لم يتصورا ذلك يعلمون يقينا أنها أعجز لكن لابد من فاعل قادر كسر تلك الآلهة { قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ( رجال مباحثهم قالوا ) * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ( ذكروا و بحثوا حتي وجدوا ما يبحثون عنه و كان فتي شابا صلي الله عليه و سلم ) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ( فكان هذا السؤال محير بالنسبة لهم و لم يكذب إبراهيم كذبا صريحا هذا كذب تعريض و ليس كذبا صريحا ذلك أنه قال فأسألوهم إن كانوا ينطقون فإن كانوا ينطقون فقد فعلها كبيرهم وهم لا ينطقون فلم يفعله كبيرهم فهذا نوع من التعريض في الكلام ) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَء يَنطِقُونَ (فقال في الآية الأخري ) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ* و هذه الآية دليل علي خلق أفعال العباد و أن الله عز وجل خلق الإنسان و خلق فعله فالله خالق كل صانع و صنعته فهو حديث حسن عن النبي و الله خلقكم و ما تعملون و التفسير الآخر خلقكم و خلق عملكم إن ما تكون مصدرية و علي دليل أي خلقكم و الذي تعملون أي خلق الأصنام التي تعملونها فهو أيضا دليل علي خلق أفعال العباد لأن الصنم لا يسمي صنما إلا بالحجارة مع النحت فالحجر مخلوق لله عز وجل بلا منازعة لكن النحت الذي هو من صنع الإنسان هو الذي صار به الصنم صنم و الله خلقكم و ما تعملون تدل علي خلق الله لأفعال العباد جميعا لأن الله خلق مادة الشئ و خلق الصنعة التي بها صار صنما فالله خالق كل شئ سبحانه وتعالى .
{ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ }
صدر الحكم الجائر الظالم بلا تهمة دون تثبت التهمة و لكنهم يفهمون أنه يعارضهم و يخالفهم في عبادة الآلهة و تجد هذا سلوك الظلمة كل من يخالفه ولو لم يثبت عليه التهمة مستعد أن ينزل به أنواع العقاب و أختاروا كلمة الجحيم فألقوه في الجحيم لأن النار المستعرة شديدة الإحراق وهم أصحاب الجحيم و هم أرادوا إلقاء إبراهيم في الجحيم فألقاهم الله في الجحيم و نجي إبراهيم
{ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا } كي يلقوه من خلاله و بنوا له ما يقذفونه من خلاله أن النار التي أوقدوها كانت نارا عظيمة جدا لا يستطيعون أن يقتربوا منها ليضعوا فيها إبراهيم إنما يريدون أن يلقوه من بعد و بالفعل فعلوا ذلك و تركهم الله عز و جل بحكمته إلي أن أوقدوا النار و بنوا البنيان و بالفعل ألقوا إبراهيم و اثناء إلقاه وهو في الطريق إلي النار حين ألقي و النار مازالت نارا قال إبراهيم حسبنا الله و نعم الوكيل كافينا الله و نعم ما يتوكل عليه كما قال ابن عباس رضي الله عنه حسبنا الله و نعم الوكيل قالها إبراهيم حين القي في النار و قالها محمد حين قال له الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فحسبنا الله و نعم الوكيل فحين ألقي إبراهيم في النار في الأثر الإسرائيلي إن جبريل آتاه وهو في الهواء فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا و أما إلي الله فنعم هي معني و أحسن الذي ورد في السنة الصحيحة أنه قال حسبنا الله و نعم الوكيل فجاء الفرج من عند الله في اللحظة الأخيرة ضحي إبراهيم بنفسه و قبل أن يلقي في النار لكي يقول دعوة الحق و لكي يقول كلمة الحق و لا يكتم براءته من الشرك و أهله و أستخفافه بآلهة الباطل فكان الجزاء من الله عز و جل بلا واسطة لا واسطة ملك و لا واسطة ريح و لا واسطة مطر و لكن بكلامه سبحانه و تعالي قال عز و جل (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) لن تنطفئ النار بل بقيت نارا لأن الله قال لها يا نار فظلت نارا لكن كانت بردا و سلاما و ليس بردا فقط لأنه ربما تأذي من البرد و لكن و سلاما أنظر إلي الحب العظيم الذي أحب الله لإبراهيم ليخصه بكلامه عز وجل قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ لتكون آية عظيمة ما أحرقت إلا وثاقه الذي أوثق به و رآه الكفار في النار أياما طيبا يقال أنها خير أيامه كان يجد فيها أنواع النعيم وهم يتأملون الآية الكبري العظيمة فيما نجاه الله و في إبطال كيدهم وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ أمرهم ما نفذ قالوا حرقوه و أنصورا آلهتكم فما أنتصرت الآلهة و لم يحرق إبراهيم كلمتهم سفلي جعلهم الله الأسفلين في الدنيا بخزيهم و في الآخرة حين يكونون في طبقات الجحيم السفلي أرادوا به كيدا فكانت نجاة إبراهيم من الكيد بفضل الله و كذلك كل من سار علي نهج إبراهيم إذا أريد به الكيد يتوكل علي الله و يقل حسبنا الله و نعم الوكيل فيصرف الله كيد الكائدين و يجعلهم الأسفلين و أعداء الإسلام يكيدون للمسلمين فعليهم أن يتوكلوا علي الله لكي يدفعوا أذي المؤذين و كيد الكائدين و ضرر الضارين و الله سبحانه وتعالي وحده هوا لنافع الضار و الله عز وجل الذي يمكر بالكافرين فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين لما ضحي إبراهيم لربه حفظه الله سبحانه وتعالي و ظل في النار أيام في نعيم حتي قال له فيما يذكر قال به أبوه نعم الرب ربك يا إبراهيم و مع هذا الأمر البين العجب أن هؤلاء القوم لم يؤمنوا و ظلوا علي كفرهم لم يؤمن بإبراهيم إلا سارة و لوط قال تعالي ( فآمن له لوط ) فهنا قرر إبراهيم الهجرة عندما أصروا عل يكفرهم بعد الآيات و جادله النمرود كذلك في ربه و أظهر الله إبراهيم بالحجة و كما أظهره بالمعجزة و الكفر و إستمرار عبادة غير الله فقرر إبراهيم أن يفارق و هكذا المؤمن إذا لم يجد ثمرة من دعوته إلي الله و أرض الله واسعة و ليبحث عن مكان آخر إذ لم يجد إستجابة و إذا لم يجد سماع و إذا تكرر إعراض الباطل و يكرر الدعوة مرة و مرة و مرة مرات عديدة فإذا أصر المبطلون فليرحل إلي مكان آخر الأرض واسعة و الأرض القابلة للزراعة كثيرة فليوضع البذر الطيب في الأرض الطيبة هؤلاء قوم لم يقبلو البذرة الطيبة بذرة العقيدة الصحيحة التي تثمر أعظم الخيرات ما قبلوها و لا رضوا بها فقال إني مهاجر إلي ربي إلي المكان الذي يأمره به ربه فيه إلي بيت المقدس حول فلسطين نسأل الله أن يردها إلي المسلمين ،
قال سيهدين ، سيهدين في الدنيا و في الآخرة و هداه الله إلي أكمل السبل و قال إني ذاهب إلي ربي سيهدين و تجد في هذا الشوق إلي الله عز وجل و تجد في طيات هذه الكلمات المنيرة مدي حب إبراهيم لربه و شوقه إليه و هاجر في سبيل الله و ترك قومه فصار فردا صار واحدا فماذا يريد يريد أسرة صالحة يريد قوم يعاشرهم غير عشرة هؤلاء التي عشرتهم عذاب قال ربي هب لي من الصالحين
و قال { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ }
الهبة من الله الولد هبة محضة الإنسان قد يأخذ بالأسباب و لكنه يعجز إبراهيم صلي الله عليه و سلم دعا بهذه الدعوة و تأخرت الإجابة إلي الكبر إلي أن ييأس الناس في العادة من أن يوجد لمثل هذا الرجل وإذا قال الحمد لله الذي وهب لي علي الكبر إسماعيل و إسحاق رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ هذا الدعاء لطلب الولد ليس لمجرد طلب الولد ليس بمجرد وجود الرغبة في الأبوة و لكن ليكون صالحا هذا هو النافع للإنسان أن الولد عندما لا يكون صالحا فهو ضرر علي الإنسان و ربما كان عذابا كما قال في النافقين (( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)) فربما كان الولد سبب في عذاب أبيه و أمه إذا لم يكن صالحا ربي هب لي من الصالحين إذا تأخرت إجابة الدعاء لا نستعجل قد مضت سنوات قبل أن يستجاب لإبراهيم عليه الصلاة و السلام قد أجيبت الدعوة و لكن متي تحققت الإجابة قد تتأخر فلا تستعجل يستجاب للمرء ما لم يستعجل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ربي هب لي من الصالحين فلا تيأس من رحمة الله كما لم ييأس إبراهيم عليه السلام إبراهيم كما ذكرنا في كل المواطن الفرج كان يأتي في اللحظة الأخيرة كما في شأن الولد أتي بعد أن يأٍس الناس كما ذكرنا في العادة من الولد و لم ييأس إبراهيم قال و من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون كانت سارة وصلت إلي سن لا تجد فيها أمل هي أصلا عقيم و عجوز و إبراهيم في هذا الموضع إنما ولده إسماعيل علي الصحيح بل الصواب من أقوال العلماء في سورة الصافات الولد هو إسماعيل الذبيح هو إسماعيل كما تدل عليه هذه السورة الكريمة لأن لما قبل إبراهيم أن يذبح ولده و نجح في هذا الإمتحان كافأه الله أن أعطاه ولد آخر و صحبة الصالحين فهي سعادة هذه الدنيا بل و من سعادة الآخرة النبي يقول في آخر كلماته في هذه الدنيا اللهم الرفيق الأعلي و إبراهيم عليه السلام يقول ربي هب لي حكما و ألحقني بالصالحين ان صحبة الصالحين سعادة وإن صحبة الكفار و الفاسقين عقوبة و النظر في وجوههم شقاء و عذاب أن يكون الإنسان مبتلي بفسقة و فجرة و كفرة و منافقين و الله إن كلامهم فقط حتي لو كان الإنسان يبغضهم لهو نوع من الألم و الشقاء و التعب فضلا أن يكلف النظر في وجوههم كما قال أم جريج لجريج اللهم لا تمته حتي ينظر في وجوه المومسات مع إنه ينظر لتبرئة نفسه جريج أضطر إلي النظر في وجه المومسة لكي يبرئ نفسه من التهمة الباطلة التي أتهمته بها و هي الزني و مع ذلك كان ذلك من دعوة أمه عليه فتخيلوا الذي يصر علي صحبة الكذابين في وسائل الإعلام الفاسدة و علي صفحات الجرائد و المجلات و يصر علي صحبتهم علي شاشات التلفزيون و الفيديو و يصر علي صحبتهم علي شاشات السينما و يصر علي صحبتهم في القصص السخيف مجرد النظر لهؤلاء فقط عذاب للإنسان الإنسان يحب صحبة الصالحين هم القوم لا يشقي بهم جليسهم سيدنا إبراهيم يقول ربي هب لي من الصالحين و الذي يريد الولد ينبغي أن يدعوا هذا الدعاء ربي هب لي من الصالحين ، ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ، لم يطلب زكريا أي ذرية و إنما ذرية طيبة إنما يريد من يعبد الله سبحانه و تعالي
{ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } كما ذكرنا الصحيح أنه إسماعيل أول ما رزق إبراهيم من الولد من أم ولده هاجر فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ و الحلم هو عدم العجلة وهو صفة طيبة عظيمة و في السورة الأخري و بشرناه بغلام عليم و هذا إسحاق عليه و علي نبينا الصلاة والسلام و كانت بشرت به سارة التي لم تنجب في صغرها و إنما أنجبت بعد أن بلغت من الكبر ما بلغت وكان ذلك من آيات الله سبحانه وتعالي فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ و كان علي الكبر و هذا يكون أشد لحب الإنسان للولد لأنه أتاه بعد مدة طويلة و بعد إنتظار و كان ولد حليما صالحا و هذا أكثر حبا في قلب أبيه من غيره مطيع يلتزم بأوامر أبيه مباشرة كما قال في قصة بناء البيت إن الله أمرني بأمر قال فأفعل ما أمرك ربك من غير ما يستفسر يمتثل قال و تعينني قال وأعينك قال فإنه أمرني أن أبني له بيتا فسبحان الله هناك الإمتثال التام هذا يجعل الولد أحب لأبيه
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } و هذه تجعله أشد حب و منزلة في قلبه الطفل وهو صغير لسه ما بيحبوش بنفس الدرجة التي يحب بها الكبار لأنه لسه لم يتكلم معه لن ينفعه لم يتعامل معه المعاملة تجعل الطفل أحب إلي والده فإذا بلغ أ، ينفعه فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ سار يسعي معه و ترجي إعانته
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ }
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } جاء الإبتلاء و في صورة يمكن أن يدخل الشيطان منها وهي أنها لم تكن وحي مباشر أتاه جبريل مثلا وإنما رأي في المنام و لكن رؤيا الأنبياء وحي و هذا وحي من الله عز وجل و لم يتشكك إبراهيم وإنما تلطف في عرض الأمر علي ولده ليكون فعله صادر عن إقتناع كما يقولون أو عن طواعية في الحقيقة لم يرد أن يذبحه مباشرة هو سينفذ الأمر سواء قبل الولد أم لم يقبل لكنه يريد أن يثاب الولد لذا قال يا بني جلس معه و خاطبه بهذه اللفظة يا بني يعني يا أبني الصغير يذكره بأني لم أنسي رابطة البنوة التي تربطه به أنا أبوك و أنت أبني و مع ذلك إني أري في المنام أني أذبحك لكي لا يظن الأبن أن ذلك ينافي الشفقة أو نسيان العلاقة لا ليس كذلك هو متذكر تماما أنه إبنه يتلطف معه لكي يصدر الأمر عن رضا و سماحة نفس النفس إذا أدت ما كلفت به عن سماحة و طيب نفس كان ذلك أزكي و أكثر في الثواب و مقبولا عند الله الذي يستخرج الطاعة من بين أضراسه هذه طاعة ناقصة و لذلك الزكاة من أداها طيبة بها نفسه أجر عليها و من أداها و نفسه تنازعه فهذا أنقص بلا شك و أما الذي غلبته نفسه فهذا الذي ضيع الواجب فإبراهيم عليه السلام يعلمنا من خلال هذه الوسيلة التربوية الرائعة كيفية توجيه الأبناء ينبغي أن يكون بالمجالسة و بالملاطفة و بالنصيحة المباشرة و بأخذ الفترة المناسبة لكي يقع الأمر طواعية و كما أمرنا النبي صلي الله عليه و سلم في أمر العبادات قال : مروا أولادكم بالصلاة لسبع و أضربوهم عليها لعشر و فرقوا بينهم في المضاجع فأمر أن يؤمر الطفل بالصلاة من غير عقوبة ثلاث سنوات متواصلة يتسأل في كل يوم خمس مرات قم فصلي قم فصلي ، و إذا دخل الأب البيت يسأل يقول أصلي الغلام كما كان النبي يفعل يوم دخل علي ميمونة و كان عندها ابن عباس فقال اصلي الغلام يبقي هي أمرته و بعدين اللي جه سأل ثلاث سنين و بعد كده لو أصر يبقي يضرب لكن قبل ذلك الأخذ طواعية لكي يتعود أن يفعل الطاعة من نفسه كرر الأمر و لا تيأس و المجالسة بين الأب و أبنائه أمر مطلوب لأنه تجد الحوار هادئ لم يكن هذا إلا علي المجالسة تجد الناس تفر من أبنائها و العياذ بالله و الدليل علي كده كتر القهاوي ، القهاوي دلوقتي أكبر مشروع ناجح في زمنا و العياذ بالله الناس بتسيب البيت و تمشي كل الناس محتاجه تقعد مع عيالها لكن العيال مشغولين في الكورة و الأتاري ده دول أحسن الأولاد أما الأولاد التانيين و نسأل الله العافية فالكل مشغول الناس كلها مشغولة ، فمحتاج الأب يقعد مع أولاده يكلمهم يا بني إني اري في المنام أني أذبح فأنظر ماذا تري ؟ ما قلش أنظر ماذا أفعل لأنه سيفعل و لكن أنظر ماذا تري ؟ يعني أنظر ما تراه أنت ؟ و كان الجواب علي ما يرضي الأب الرحيم الشفيق . قال : يا أبت أفعل ما تؤمر
و يا أبت فيها تعظيم و توقير و تكريم لأبيه يا أبت أفعل ما تؤمر مع إن صيغة الأمر مش مناسبة في الخطاب و لكن بيأمره يعني أفعل ما أمرك به ربك لأنه يريده أن يسمع منه ذلك لأنه يريد أن يسمع منه أن يطلب منه ما أمره به ربه أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، مع إن صبره فعله هو و لكن علقه علي مشيئة الله دليل علي ان هذا الإبن الواعي يفهم قضية القضاء و القدر و أن فعله لن يكون إلا بمشية الله و توفيقه ستجدني إن شاء الله من الصابرين و لم يزكي نفسه و إنما علقه علي مشيئة الله فهو يرجوا أن يكون صابرا وهو أن يصبر علي أمر الله و البلاء و الألم المتوقع و بعدين لو أن الإنسان أمر بأن ينظر فقط إلي ولده المريض لكان ذلك مؤلما أم إسماعيل ما كانت تنظر إلي ولدها يتلوي من الجوع أنصرفت كراهية أن تنظر إليه فعلا الأم لما يبقي أبنها متألم تبقي عايزه تعمل أي حاجة و الأب كذلك يتألم إنه يراه وهو يتألم تخيل لو حد بيقتل أبنك دي الطاقات الكامنة كلها تنفجر علشان ينقذ ابنه من القتل فضلا إنه هو يقتله بنفسه ممكن مثلا يقتله بحاجة من بعيد لا ده بيقتله بالذبح وهو بجانبه مباشرة فسبحان الله بلاء مبين لأن سيدنا إبراهيم ما كانش في حاجه في قلبه لغير الله فحب الولد حب عظيم و كثير من الناس من أجل الأموال والأولاد ربما باعوا أديانهم كل حاجه عشان العيال و يأكل الحرام عشان يبني للعيال مستقبل و يتعامل بالربا عشان العيال فحب الولد كان الإمتحان الأكيد في أن إبراهيم خالص لله سليم قلبه لله
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } ، إستسلام لله و راحة و أخذه إبراهيم عليه السلام ليذبحه و هذا كان في يوم الأضحي في أعظم الأيام في السنة و علي ما يظهر في مكة المكرمة و ذلك أن قرني الكبش كانا معلقين في الكعبة فدل ذلك علي أن هذه الواقعة وقعت في مكة المكرمة فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ سيدنا إبراهيم لم يؤمر أن ينظر إلي وجه ولده هذه اعظم مشقة فجعله علي وجهه كي يكون أيسر في الذبح لكي لا ينظر إلي ولده وهو يتألم و كلاهما مستسلم ووضعت السكين علي الجلد ليبدأ الذبح ، أنظر متي يأتي الفرج ؟!! في اللحظة الأخيرة كل مواقف سيدنا إبراهيم يأتي الفرج في آخر لحظة سيدنا إسماعيل وهو يتلوي من العطش الفرج جاء أمتي بعد سبع أشواط بين الصفا والمروة و بعد ما نفد التمر والماء ثم يأتي الفرج في اللحظة الأخيرة الفرج دائما يأتي بعد شدة العسر و لذلك لا تيأسوا عباد الله الأمة سوف يأتيها الفرج من عند الله سبحانه وتعالي
قال تعالي ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )) هنا قد نفذت ما أمرت به و قد وقع ما أراد الله من الإمتحان يكفي هذا هنا كان النجاة لإبراهيم و إسماعيل مع رفع الدرجات العالية إنا كذلك نجزي المحسنين إذا ليست خاصة بإبرهيم فقط بل هي لكل محسن أخلص لله و راقب الله سوف يجازي بنفس الطريقة إنا كذلك نجزي المحسنين كل من ضحي لله بشئ فالله سوف يخلفه خير منه أو يبقيه له و زياده كما بقيت نفس إسماعيل زيد له أخا نبيا بدلا من نبي واحد أصبحا نبيين إسماعيل و إسحاق ، و فداه الله بذبح عظيم ،
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ إن هذا لهو البلاء البين الذي يظهر من خلاله الإيمان و اليقين و التوكل والصبر و الرضا و كمال الإنقياد لله عز و جل و فديناه بذبح عظيم بكبش نزل به جبريل و ذبحه إبراهيم فكان كرم من الله سبحانه و تعالي و هبة و عطاء و تشريع لهذه الشعيرة العظيمة شعيرة الأضحية ،
{ وتَرَكنا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ }
فكل الأمم المتأخرة تسلم علي إبراهيم و تريد الإنتساب إليه و إن أولي الناس بإبراهيم للذين إتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا معه و نحن أولي الناس بإبراهيم إذ نحن علي ملته
{ َكذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ *وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }
نسأل الله أن يجعلنا من المحسنين و لا يجعلنا من الظالمين و أن يلحقنا بالصالحين أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم ،
الحمد لله و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمد عبده و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم أما بعد ، قصة سيدنا إبراهيم كما في سورة الصافات تتضمن دعوته لقومه و ما كادوه به و ما جعل الله عز وجل له من العاقبة و النصر و التمكين ثم الجزء الثاني وهي قصة الذبح
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ *فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ *وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ *وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ* سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ *كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }
قوله سبحانه [وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ]
من شيعة نوح عليه السلام و من أتباعه علي ملته و دينه كم من الزمن بين نوح و إبراهيم عليهم السلام زمن طويل و لكنهم امة واحدة و يشايع بعضا و يوافق بعضهم بعضا و نحن نسأل الله أن يجعلنا من شيعتهم و من طائفتهم فالإسلام دين الله عز و جل الذي جاء به جميع الأنبياء و أمتنا أمة واحدة رغم تباعد الأزمان و العصور و رغم تباعد الأمكنة و الحدود و رغم اختلاف الألوان و الألسنة ورغم اختلاف الأجناس والطباع أمتنا أمة واحدة لابد أن نستشعر هذا المعني المتكرر في قصص القرآن العظيم و الذي يظهر جليا في هذه الأيام المباركات أيام ذهاب الناس إلي حج بيت الله الحرام من كل حدب و صوب .
{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } ،
كيف شايعه وهو بينه و بينه من الزمن ما الله أعلم به و مع ذلك نقول نعم هذه المشايعة وهذه الموافقة و هذه النصرة علي تباعد الزمن لأنه نصر دينه و سعي إلي إعلاء كلمة التوحيد كلمة لا إليه إلا الله .
{ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ،
ما أحسن هذا الثناء و ما أعظم هذا الوصف جاء ربه بقلب سليم سلم من الشرك سلم من كل ما يسخط الله سبحانه وتعالي سلم من كل ما يكرهه الله من قلوب بني آدم إبراهيم الأواه الحليم الذاكر لله عز وجل المنيب إلي الله سبحانه و تعالي المسبح القانط المداوم علي الطاعة المحب لله عز و جل الخليل أي الذي أحبه الله حبا عظيما و ما كان ذاك إلا لسلامة قلبه و كمال حبه و انقياده لله عز وجل و امتثاله لأوامر الله سبحانه و تعالي و كلماته كلها و إذ أبتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن كل الكلمات التي أمر بها طبعا أتمها و لذا قال و إبراهيم الذي وفي أختبر في نفسه أولا فضحي بها لله فردها الله عليه سالمة غانمة أبتلي في نفسه بتكليف معين كالختان أخنتن بالقدوم وهو أبن ثمانين سنة قطع هذه الجلدة وهو أبن ثمانين سنة لما كلف أن يفعل ذلك و بالقدوم و هذه هي الآلة المعروفة و لم يكن هناك إمكانيات أحسن من ذلك في الإمكانيات الجراحية مثلا و مع ذلك أمتثل مهما كانت النتائج ، و بعد ذلك أبتلي في أغلي ما يحبه الإنسان الولد فأوتي الولد علي الكبر و أبتلي كذلك أن يتولي بنفسه ذبحه فوفي في كل ذلك الله سلم هذا القلب السليم الذي سلم لله عز وجل إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين هذا هو الإسلام عباد الله أن تسلم وجهك لله أن تقول ربي الله و تخليت أن تتخلي عن كل ما يسخط الله سبحانه وتعالي أن تستسلم لأوامر الله راضيا بقلبك طيبة نفسك بهذا الانقياد و ليس ترغمها إرغاما و تأخذها أخذا للطاعة وهي لا تحبها القلب السليم يقبل علي الطاعة و يضحي في سبيل الله عز وجل بالغالي و النفيس و يستعذب كل أمر صعب أو مؤلم كذا كان إبراهيم صلي الله عليه و سلم و لا ينجوا يوم القيامة إلا من أتي الله بقلب سليم سلم من الشرك أولا و سلم من كل ما يغضب الله قال عز وجل علي لسان إبراهيم في دعائه و لا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم ،
{ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } ، استفهام للاستنكار كما قال (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ أفكا ) السؤال ليس المقصود به السؤال لأنه يعرف أنهم يعبدون أصناما قالوا (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ) كما في الآية الأخرى و مع ذلك يسألهم لكي يحرك في ذهنهم الفكر و الفهم و محاولة التدبر كيف يعبد الإنسان ما ينحت كيف يعبد ما يصنع هو بنفسه كما يتعجب الإنسان من كل أهل الملل الباطلة من كل أهل الملل غير ملة الإسلام كيف تسني لهم أن يقبلوا كل هذه المتناقضات كيف تسني لقوم أن ينحتوا أصناما , إذا تم نحتها صارت هي الآلهة و صارت تقرب لها القرابين و تذبح لها الذبائح و يطاف بها و تعظم و ما زال أقوام من البشر يعبدون الأصنام و ليس ببعيد هؤلاء الأعداء من الهندوس يعبدون البقر بالإضافة إلي الأصنام عجب من الإنسان أن يعبد ما هو أدني منه بقرة تسير في أنحاء العالم لا تفقه شيئا تذبح ذبحا تحلب حلبا تحرث الأرض و هكذا و مع ذلك يوجد من يعبدها ما هو الخلل في كيان الإنسان أن يعبد هذه الآلهة الباطلة هناك من يعبد الفئران و هناك من يعبد الصلبان و هناك من يعبد ثالث ثلاثة و يعبد آلهة ثلاثة و يتناقض فيقولون واحد و هي ثلاثة يعبدون غير الله من الأحبار و الرهبان يقول النصارى المسيح بن الله و يقول اليهود العزير بن الله يتعجب الإنسان ممن يعبد غير الله كيف تعبدون غير الله قضية العبادة أعظم قضية بعث بها الأنبياء ليس قضية الأخلاق هي القضية الأولي قضية الأخلاق نابعة من قضية العبودية إذا فصلت عنها كانت خطر كبيرا كانت بلا قيمة لو أن إنسان أدعي لله صاحبة وولدا أو عبد مع الله غيره علي سبيل الوساطة و الشفاعة و طلب منه قضاء الحاجات و المدد و كشف الكربات و شفاء الأمراض و إنجاح الأولاد و كانت أخلاقه طيبه جدا مسالم حسن العشرة مع الجيران لكنه يعتقد أن غير الله ينفع و يضر أو غير الله يحكم و يشرع أو غير الله سبحانه يدبر الكون والعياذ بالله أو كما ذكرنا أتخذ لله عز وجل ندا نعوذ بالله من ذلك لا تنفعه الأخلاق إذا أول قضية يجب أن يبحث عنها قضية العبودية ماذا تعبدون يبني الولاء و البراء علي هذه القضية و الحب و البغض علي هذه القضية النصرة و الطاعة و المتابعة علي هذه القضية قضية العبودية لله عز و جل ليس قبلها شئ لأنها الحكمة من خلق الإنس و الجن قال تعالي : و ما خلقت الإنس و الجن إلا ليعبدون فكيف تهمل هذه القضية و كيف يقال للناس دعونا من قضية ماذا يعبد هؤلاء و ماذا يعبد هؤلاء كل إنسان يعبد ما يريد و ما يشتهي نعوذ بالله الحرية المزعومة في حرية اختيار الآلهة التي يعبدها الإنسان هي حرية الكفر و العياذ بالله ليست بحرية كما هي عبودية للشيطان .
{ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ } ،
أئفكا أي باطلا مبتدعا آلهة مصطنعة تطلبون رضاها و تطلبون منها قضاء الحاجات و تريدون أن تتقربوا إليها من دون الله سبحانه وتعالي
كما قال: { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } ،
فردوا كما في الآية الأخرى { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }
تقليد أعمي عجيب الشأن ليس عندهم من حجة إلا أنهم وجدوا الآباء يفعلون ذلك ببلاهة و غباء و يقرون أنها لا تنفع و لا تضر ولا تسمع و هي تحتاج لمن ينصرها و من يقيمها و من يحفظها ، لما كسرها ووجدوها مكسرة قالوا من فعل هذا بآلهتنا لم يقولوا الآلهة تعاركت لماذا كسر بعضها بعضا قطعا هم فاهمين إن الآلهة ما تقدرش تعمل حاجة لوحدها قطعيا في فاعل قالوا من فعل هذا بآلهتنا يبقي الآلهة دي يفعل بها نسأل الله العافية هذا من العجب الذي عليه اكثر الخلق ، أكثر الخلق يعبدون غير الله ، ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ )
قال (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) فسوء الظن بالله من أعظم أسباب الشرك و عدم معرفة أسماء الله و صفاته سبحانه وتعالي و ربوبيته وألوهيته كما قال تعالي ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) عدم معرفة العقيدة في الله سبحانه وتعالي و في أسمائه و صفاته مردي و مهلك مهماكانت أعمال الإنسان بعد ذلك و من أعتقد في الله سبحانه وتعالي ما لا يجوز و أعتقد معه الأنداد و الشركاء و الأولاد و الأعوان و نحو ذلك لم ينفعه عمل و لو ظل عمره كله يعبد الله فيما يزعم أو يعبد الله مع ما يعبده من دونه كما روي أن عمر مر علي راهب في صومعة فجعل عمر يبكي فسئل عن ذلك فقال تذكرت قول الله عز و جل (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً *)
يتعب نفسه و العياذ بالله ويعمل عمل مجهد واحد كان بيقول بيزرع البذرة و ما يأكلش حتي تطلع الشجرة و أكيد بيخدعوه لأنه سيموت طبعا ،
واحد تاني يقولك قعد خمسة و عشرين سنة ما جابش علي جسمه مياه و العياذ بالله ده بلاء عظيم جدا لا يستنجي من بول و لا براز و لا بيستحم خمسة و عشرين سنة و يعذب نفسه و يحرم نفسه من كل لذات الدنيا من طعام و شراب و نساء و مع ذلك علي عقيدة فاسدة و مع ذلك إيه يصلي نارا حامية يبقي نصب و تعب و مع ذلك في الضياع ، أكثر أهل الارض يعملون و ينصبون يشتغلوا شغل من نار و في النهاية شقاء في الدنيا و الآخرة نعوذ بالله و لذلك هم عندهم حقد علي أهل الإسلام و عايزين يشقوهم كمان مثل ما هم في شقاء .
{ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } كيف تظنون بالله ظن السوء ووجود الأنداد و الشركاء و الآلهة من دونه
{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) أراد إبراهيم أن يحتال بحيلة كي يصل لتكسير الأصنام و هم كان لهم عيد فنظر نظرة في السماء ثم قال لهم إني سقيم و ذلك من التعريض لكي يتركوه و لا يذهب معهم عيدهم كان لهم عيد يخرجون فيه إلي النزهة و الفسحة فأراد إبراهيم ألا يخرج فقال إني سقيم و هذا معني و هناك معني آخر يعني سأسقم فما من أحد إلا يصيبه السقم ، كما قال تعالي ( إنك ميت ) يعني إيه ميت يعني سوف تموت و إنهم ميتون و كذلك إني مريض بمعني إيه سوف أمرض الإنسان مريض عاجز يعني لابد له في النهاية أن يسقم حتي لو قبل الموت لابد يبقي في سبب في الموت يحصل هبوط في ضغط الدم في القلب مفيش إنسان يخلوا من المرض
أو إني سقيم منكم يعني قلبي متألم مما تعتقدون في الله عز وجل { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } تعريض في الكلام لكي يفروا عنهم و يتركوه و لا يذهب معهم العيد { فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ } أسرعوا إلي العيد اللهو و اللعب أهم و تركوا الآلهة ( فَرَاغَ [ أسرع ] إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ ) عندهم قرابين موضوعة سيدنا إبراهيم بيستهزئ بهم و إلا فهو يعلم أنها لا تجيب و لكن من غيظه منها و من ضيقه منها أراد أن يستهزئ بها و يستخف فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُون و هذا ليس صفة كمال في الحقيقة و لكن أن الذي لا يجيب لا ينطق و لا ينزه نفسه يقول لا أحتاج إلي الأكل لا يجب علي الإطلاق مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُون من شدة الغيظ يقول هذا الكلام وهو في الحقيقة كأنه يخاطب قومه في حواره مع هذه الآلهة التي لا تتكلم فراغ عليهم ضربا باليمين جعل يكسرها جميعا إلا كبيرا لهم صنما كبيرا تركه
{ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ }
عادوا من العيد مسرعين يسألون ما الخبر وجدوا الآلهة مكسرة إلا الصنم الكبير لم يفكروا قطعا أن الآلهة أختصمت أو أن الكبير غار لنفسه فكسر الصغار لم يتصورا ذلك يعلمون يقينا أنها أعجز لكن لابد من فاعل قادر كسر تلك الآلهة { قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ( رجال مباحثهم قالوا ) * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ( ذكروا و بحثوا حتي وجدوا ما يبحثون عنه و كان فتي شابا صلي الله عليه و سلم ) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ( فكان هذا السؤال محير بالنسبة لهم و لم يكذب إبراهيم كذبا صريحا هذا كذب تعريض و ليس كذبا صريحا ذلك أنه قال فأسألوهم إن كانوا ينطقون فإن كانوا ينطقون فقد فعلها كبيرهم وهم لا ينطقون فلم يفعله كبيرهم فهذا نوع من التعريض في الكلام ) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَء يَنطِقُونَ (فقال في الآية الأخري ) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ* و هذه الآية دليل علي خلق أفعال العباد و أن الله عز وجل خلق الإنسان و خلق فعله فالله خالق كل صانع و صنعته فهو حديث حسن عن النبي و الله خلقكم و ما تعملون و التفسير الآخر خلقكم و خلق عملكم إن ما تكون مصدرية و علي دليل أي خلقكم و الذي تعملون أي خلق الأصنام التي تعملونها فهو أيضا دليل علي خلق أفعال العباد لأن الصنم لا يسمي صنما إلا بالحجارة مع النحت فالحجر مخلوق لله عز وجل بلا منازعة لكن النحت الذي هو من صنع الإنسان هو الذي صار به الصنم صنم و الله خلقكم و ما تعملون تدل علي خلق الله لأفعال العباد جميعا لأن الله خلق مادة الشئ و خلق الصنعة التي بها صار صنما فالله خالق كل شئ سبحانه وتعالى .
{ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ }
صدر الحكم الجائر الظالم بلا تهمة دون تثبت التهمة و لكنهم يفهمون أنه يعارضهم و يخالفهم في عبادة الآلهة و تجد هذا سلوك الظلمة كل من يخالفه ولو لم يثبت عليه التهمة مستعد أن ينزل به أنواع العقاب و أختاروا كلمة الجحيم فألقوه في الجحيم لأن النار المستعرة شديدة الإحراق وهم أصحاب الجحيم و هم أرادوا إلقاء إبراهيم في الجحيم فألقاهم الله في الجحيم و نجي إبراهيم
{ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا } كي يلقوه من خلاله و بنوا له ما يقذفونه من خلاله أن النار التي أوقدوها كانت نارا عظيمة جدا لا يستطيعون أن يقتربوا منها ليضعوا فيها إبراهيم إنما يريدون أن يلقوه من بعد و بالفعل فعلوا ذلك و تركهم الله عز و جل بحكمته إلي أن أوقدوا النار و بنوا البنيان و بالفعل ألقوا إبراهيم و اثناء إلقاه وهو في الطريق إلي النار حين ألقي و النار مازالت نارا قال إبراهيم حسبنا الله و نعم الوكيل كافينا الله و نعم ما يتوكل عليه كما قال ابن عباس رضي الله عنه حسبنا الله و نعم الوكيل قالها إبراهيم حين القي في النار و قالها محمد حين قال له الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فحسبنا الله و نعم الوكيل فحين ألقي إبراهيم في النار في الأثر الإسرائيلي إن جبريل آتاه وهو في الهواء فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا و أما إلي الله فنعم هي معني و أحسن الذي ورد في السنة الصحيحة أنه قال حسبنا الله و نعم الوكيل فجاء الفرج من عند الله في اللحظة الأخيرة ضحي إبراهيم بنفسه و قبل أن يلقي في النار لكي يقول دعوة الحق و لكي يقول كلمة الحق و لا يكتم براءته من الشرك و أهله و أستخفافه بآلهة الباطل فكان الجزاء من الله عز و جل بلا واسطة لا واسطة ملك و لا واسطة ريح و لا واسطة مطر و لكن بكلامه سبحانه و تعالي قال عز و جل (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) لن تنطفئ النار بل بقيت نارا لأن الله قال لها يا نار فظلت نارا لكن كانت بردا و سلاما و ليس بردا فقط لأنه ربما تأذي من البرد و لكن و سلاما أنظر إلي الحب العظيم الذي أحب الله لإبراهيم ليخصه بكلامه عز وجل قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ لتكون آية عظيمة ما أحرقت إلا وثاقه الذي أوثق به و رآه الكفار في النار أياما طيبا يقال أنها خير أيامه كان يجد فيها أنواع النعيم وهم يتأملون الآية الكبري العظيمة فيما نجاه الله و في إبطال كيدهم وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ أمرهم ما نفذ قالوا حرقوه و أنصورا آلهتكم فما أنتصرت الآلهة و لم يحرق إبراهيم كلمتهم سفلي جعلهم الله الأسفلين في الدنيا بخزيهم و في الآخرة حين يكونون في طبقات الجحيم السفلي أرادوا به كيدا فكانت نجاة إبراهيم من الكيد بفضل الله و كذلك كل من سار علي نهج إبراهيم إذا أريد به الكيد يتوكل علي الله و يقل حسبنا الله و نعم الوكيل فيصرف الله كيد الكائدين و يجعلهم الأسفلين و أعداء الإسلام يكيدون للمسلمين فعليهم أن يتوكلوا علي الله لكي يدفعوا أذي المؤذين و كيد الكائدين و ضرر الضارين و الله سبحانه وتعالي وحده هوا لنافع الضار و الله عز وجل الذي يمكر بالكافرين فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين لما ضحي إبراهيم لربه حفظه الله سبحانه وتعالي و ظل في النار أيام في نعيم حتي قال له فيما يذكر قال به أبوه نعم الرب ربك يا إبراهيم و مع هذا الأمر البين العجب أن هؤلاء القوم لم يؤمنوا و ظلوا علي كفرهم لم يؤمن بإبراهيم إلا سارة و لوط قال تعالي ( فآمن له لوط ) فهنا قرر إبراهيم الهجرة عندما أصروا عل يكفرهم بعد الآيات و جادله النمرود كذلك في ربه و أظهر الله إبراهيم بالحجة و كما أظهره بالمعجزة و الكفر و إستمرار عبادة غير الله فقرر إبراهيم أن يفارق و هكذا المؤمن إذا لم يجد ثمرة من دعوته إلي الله و أرض الله واسعة و ليبحث عن مكان آخر إذ لم يجد إستجابة و إذا لم يجد سماع و إذا تكرر إعراض الباطل و يكرر الدعوة مرة و مرة و مرة مرات عديدة فإذا أصر المبطلون فليرحل إلي مكان آخر الأرض واسعة و الأرض القابلة للزراعة كثيرة فليوضع البذر الطيب في الأرض الطيبة هؤلاء قوم لم يقبلو البذرة الطيبة بذرة العقيدة الصحيحة التي تثمر أعظم الخيرات ما قبلوها و لا رضوا بها فقال إني مهاجر إلي ربي إلي المكان الذي يأمره به ربه فيه إلي بيت المقدس حول فلسطين نسأل الله أن يردها إلي المسلمين ،
قال سيهدين ، سيهدين في الدنيا و في الآخرة و هداه الله إلي أكمل السبل و قال إني ذاهب إلي ربي سيهدين و تجد في هذا الشوق إلي الله عز وجل و تجد في طيات هذه الكلمات المنيرة مدي حب إبراهيم لربه و شوقه إليه و هاجر في سبيل الله و ترك قومه فصار فردا صار واحدا فماذا يريد يريد أسرة صالحة يريد قوم يعاشرهم غير عشرة هؤلاء التي عشرتهم عذاب قال ربي هب لي من الصالحين
و قال { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ }
الهبة من الله الولد هبة محضة الإنسان قد يأخذ بالأسباب و لكنه يعجز إبراهيم صلي الله عليه و سلم دعا بهذه الدعوة و تأخرت الإجابة إلي الكبر إلي أن ييأس الناس في العادة من أن يوجد لمثل هذا الرجل وإذا قال الحمد لله الذي وهب لي علي الكبر إسماعيل و إسحاق رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ هذا الدعاء لطلب الولد ليس لمجرد طلب الولد ليس بمجرد وجود الرغبة في الأبوة و لكن ليكون صالحا هذا هو النافع للإنسان أن الولد عندما لا يكون صالحا فهو ضرر علي الإنسان و ربما كان عذابا كما قال في النافقين (( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)) فربما كان الولد سبب في عذاب أبيه و أمه إذا لم يكن صالحا ربي هب لي من الصالحين إذا تأخرت إجابة الدعاء لا نستعجل قد مضت سنوات قبل أن يستجاب لإبراهيم عليه الصلاة و السلام قد أجيبت الدعوة و لكن متي تحققت الإجابة قد تتأخر فلا تستعجل يستجاب للمرء ما لم يستعجل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ربي هب لي من الصالحين فلا تيأس من رحمة الله كما لم ييأس إبراهيم عليه السلام إبراهيم كما ذكرنا في كل المواطن الفرج كان يأتي في اللحظة الأخيرة كما في شأن الولد أتي بعد أن يأٍس الناس كما ذكرنا في العادة من الولد و لم ييأس إبراهيم قال و من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون كانت سارة وصلت إلي سن لا تجد فيها أمل هي أصلا عقيم و عجوز و إبراهيم في هذا الموضع إنما ولده إسماعيل علي الصحيح بل الصواب من أقوال العلماء في سورة الصافات الولد هو إسماعيل الذبيح هو إسماعيل كما تدل عليه هذه السورة الكريمة لأن لما قبل إبراهيم أن يذبح ولده و نجح في هذا الإمتحان كافأه الله أن أعطاه ولد آخر و صحبة الصالحين فهي سعادة هذه الدنيا بل و من سعادة الآخرة النبي يقول في آخر كلماته في هذه الدنيا اللهم الرفيق الأعلي و إبراهيم عليه السلام يقول ربي هب لي حكما و ألحقني بالصالحين ان صحبة الصالحين سعادة وإن صحبة الكفار و الفاسقين عقوبة و النظر في وجوههم شقاء و عذاب أن يكون الإنسان مبتلي بفسقة و فجرة و كفرة و منافقين و الله إن كلامهم فقط حتي لو كان الإنسان يبغضهم لهو نوع من الألم و الشقاء و التعب فضلا أن يكلف النظر في وجوههم كما قال أم جريج لجريج اللهم لا تمته حتي ينظر في وجوه المومسات مع إنه ينظر لتبرئة نفسه جريج أضطر إلي النظر في وجه المومسة لكي يبرئ نفسه من التهمة الباطلة التي أتهمته بها و هي الزني و مع ذلك كان ذلك من دعوة أمه عليه فتخيلوا الذي يصر علي صحبة الكذابين في وسائل الإعلام الفاسدة و علي صفحات الجرائد و المجلات و يصر علي صحبتهم علي شاشات التلفزيون و الفيديو و يصر علي صحبتهم علي شاشات السينما و يصر علي صحبتهم في القصص السخيف مجرد النظر لهؤلاء فقط عذاب للإنسان الإنسان يحب صحبة الصالحين هم القوم لا يشقي بهم جليسهم سيدنا إبراهيم يقول ربي هب لي من الصالحين و الذي يريد الولد ينبغي أن يدعوا هذا الدعاء ربي هب لي من الصالحين ، ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ، لم يطلب زكريا أي ذرية و إنما ذرية طيبة إنما يريد من يعبد الله سبحانه و تعالي
{ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } كما ذكرنا الصحيح أنه إسماعيل أول ما رزق إبراهيم من الولد من أم ولده هاجر فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ و الحلم هو عدم العجلة وهو صفة طيبة عظيمة و في السورة الأخري و بشرناه بغلام عليم و هذا إسحاق عليه و علي نبينا الصلاة والسلام و كانت بشرت به سارة التي لم تنجب في صغرها و إنما أنجبت بعد أن بلغت من الكبر ما بلغت وكان ذلك من آيات الله سبحانه وتعالي فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ و كان علي الكبر و هذا يكون أشد لحب الإنسان للولد لأنه أتاه بعد مدة طويلة و بعد إنتظار و كان ولد حليما صالحا و هذا أكثر حبا في قلب أبيه من غيره مطيع يلتزم بأوامر أبيه مباشرة كما قال في قصة بناء البيت إن الله أمرني بأمر قال فأفعل ما أمرك ربك من غير ما يستفسر يمتثل قال و تعينني قال وأعينك قال فإنه أمرني أن أبني له بيتا فسبحان الله هناك الإمتثال التام هذا يجعل الولد أحب لأبيه
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } و هذه تجعله أشد حب و منزلة في قلبه الطفل وهو صغير لسه ما بيحبوش بنفس الدرجة التي يحب بها الكبار لأنه لسه لم يتكلم معه لن ينفعه لم يتعامل معه المعاملة تجعل الطفل أحب إلي والده فإذا بلغ أ، ينفعه فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ سار يسعي معه و ترجي إعانته
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ }
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } جاء الإبتلاء و في صورة يمكن أن يدخل الشيطان منها وهي أنها لم تكن وحي مباشر أتاه جبريل مثلا وإنما رأي في المنام و لكن رؤيا الأنبياء وحي و هذا وحي من الله عز وجل و لم يتشكك إبراهيم وإنما تلطف في عرض الأمر علي ولده ليكون فعله صادر عن إقتناع كما يقولون أو عن طواعية في الحقيقة لم يرد أن يذبحه مباشرة هو سينفذ الأمر سواء قبل الولد أم لم يقبل لكنه يريد أن يثاب الولد لذا قال يا بني جلس معه و خاطبه بهذه اللفظة يا بني يعني يا أبني الصغير يذكره بأني لم أنسي رابطة البنوة التي تربطه به أنا أبوك و أنت أبني و مع ذلك إني أري في المنام أني أذبحك لكي لا يظن الأبن أن ذلك ينافي الشفقة أو نسيان العلاقة لا ليس كذلك هو متذكر تماما أنه إبنه يتلطف معه لكي يصدر الأمر عن رضا و سماحة نفس النفس إذا أدت ما كلفت به عن سماحة و طيب نفس كان ذلك أزكي و أكثر في الثواب و مقبولا عند الله الذي يستخرج الطاعة من بين أضراسه هذه طاعة ناقصة و لذلك الزكاة من أداها طيبة بها نفسه أجر عليها و من أداها و نفسه تنازعه فهذا أنقص بلا شك و أما الذي غلبته نفسه فهذا الذي ضيع الواجب فإبراهيم عليه السلام يعلمنا من خلال هذه الوسيلة التربوية الرائعة كيفية توجيه الأبناء ينبغي أن يكون بالمجالسة و بالملاطفة و بالنصيحة المباشرة و بأخذ الفترة المناسبة لكي يقع الأمر طواعية و كما أمرنا النبي صلي الله عليه و سلم في أمر العبادات قال : مروا أولادكم بالصلاة لسبع و أضربوهم عليها لعشر و فرقوا بينهم في المضاجع فأمر أن يؤمر الطفل بالصلاة من غير عقوبة ثلاث سنوات متواصلة يتسأل في كل يوم خمس مرات قم فصلي قم فصلي ، و إذا دخل الأب البيت يسأل يقول أصلي الغلام كما كان النبي يفعل يوم دخل علي ميمونة و كان عندها ابن عباس فقال اصلي الغلام يبقي هي أمرته و بعدين اللي جه سأل ثلاث سنين و بعد كده لو أصر يبقي يضرب لكن قبل ذلك الأخذ طواعية لكي يتعود أن يفعل الطاعة من نفسه كرر الأمر و لا تيأس و المجالسة بين الأب و أبنائه أمر مطلوب لأنه تجد الحوار هادئ لم يكن هذا إلا علي المجالسة تجد الناس تفر من أبنائها و العياذ بالله و الدليل علي كده كتر القهاوي ، القهاوي دلوقتي أكبر مشروع ناجح في زمنا و العياذ بالله الناس بتسيب البيت و تمشي كل الناس محتاجه تقعد مع عيالها لكن العيال مشغولين في الكورة و الأتاري ده دول أحسن الأولاد أما الأولاد التانيين و نسأل الله العافية فالكل مشغول الناس كلها مشغولة ، فمحتاج الأب يقعد مع أولاده يكلمهم يا بني إني اري في المنام أني أذبح فأنظر ماذا تري ؟ ما قلش أنظر ماذا أفعل لأنه سيفعل و لكن أنظر ماذا تري ؟ يعني أنظر ما تراه أنت ؟ و كان الجواب علي ما يرضي الأب الرحيم الشفيق . قال : يا أبت أفعل ما تؤمر
و يا أبت فيها تعظيم و توقير و تكريم لأبيه يا أبت أفعل ما تؤمر مع إن صيغة الأمر مش مناسبة في الخطاب و لكن بيأمره يعني أفعل ما أمرك به ربك لأنه يريده أن يسمع منه ذلك لأنه يريد أن يسمع منه أن يطلب منه ما أمره به ربه أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، مع إن صبره فعله هو و لكن علقه علي مشيئة الله دليل علي ان هذا الإبن الواعي يفهم قضية القضاء و القدر و أن فعله لن يكون إلا بمشية الله و توفيقه ستجدني إن شاء الله من الصابرين و لم يزكي نفسه و إنما علقه علي مشيئة الله فهو يرجوا أن يكون صابرا وهو أن يصبر علي أمر الله و البلاء و الألم المتوقع و بعدين لو أن الإنسان أمر بأن ينظر فقط إلي ولده المريض لكان ذلك مؤلما أم إسماعيل ما كانت تنظر إلي ولدها يتلوي من الجوع أنصرفت كراهية أن تنظر إليه فعلا الأم لما يبقي أبنها متألم تبقي عايزه تعمل أي حاجة و الأب كذلك يتألم إنه يراه وهو يتألم تخيل لو حد بيقتل أبنك دي الطاقات الكامنة كلها تنفجر علشان ينقذ ابنه من القتل فضلا إنه هو يقتله بنفسه ممكن مثلا يقتله بحاجة من بعيد لا ده بيقتله بالذبح وهو بجانبه مباشرة فسبحان الله بلاء مبين لأن سيدنا إبراهيم ما كانش في حاجه في قلبه لغير الله فحب الولد حب عظيم و كثير من الناس من أجل الأموال والأولاد ربما باعوا أديانهم كل حاجه عشان العيال و يأكل الحرام عشان يبني للعيال مستقبل و يتعامل بالربا عشان العيال فحب الولد كان الإمتحان الأكيد في أن إبراهيم خالص لله سليم قلبه لله
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } ، إستسلام لله و راحة و أخذه إبراهيم عليه السلام ليذبحه و هذا كان في يوم الأضحي في أعظم الأيام في السنة و علي ما يظهر في مكة المكرمة و ذلك أن قرني الكبش كانا معلقين في الكعبة فدل ذلك علي أن هذه الواقعة وقعت في مكة المكرمة فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ سيدنا إبراهيم لم يؤمر أن ينظر إلي وجه ولده هذه اعظم مشقة فجعله علي وجهه كي يكون أيسر في الذبح لكي لا ينظر إلي ولده وهو يتألم و كلاهما مستسلم ووضعت السكين علي الجلد ليبدأ الذبح ، أنظر متي يأتي الفرج ؟!! في اللحظة الأخيرة كل مواقف سيدنا إبراهيم يأتي الفرج في آخر لحظة سيدنا إسماعيل وهو يتلوي من العطش الفرج جاء أمتي بعد سبع أشواط بين الصفا والمروة و بعد ما نفد التمر والماء ثم يأتي الفرج في اللحظة الأخيرة الفرج دائما يأتي بعد شدة العسر و لذلك لا تيأسوا عباد الله الأمة سوف يأتيها الفرج من عند الله سبحانه وتعالي
قال تعالي ((فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )) هنا قد نفذت ما أمرت به و قد وقع ما أراد الله من الإمتحان يكفي هذا هنا كان النجاة لإبراهيم و إسماعيل مع رفع الدرجات العالية إنا كذلك نجزي المحسنين إذا ليست خاصة بإبرهيم فقط بل هي لكل محسن أخلص لله و راقب الله سوف يجازي بنفس الطريقة إنا كذلك نجزي المحسنين كل من ضحي لله بشئ فالله سوف يخلفه خير منه أو يبقيه له و زياده كما بقيت نفس إسماعيل زيد له أخا نبيا بدلا من نبي واحد أصبحا نبيين إسماعيل و إسحاق ، و فداه الله بذبح عظيم ،
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ إن هذا لهو البلاء البين الذي يظهر من خلاله الإيمان و اليقين و التوكل والصبر و الرضا و كمال الإنقياد لله عز و جل و فديناه بذبح عظيم بكبش نزل به جبريل و ذبحه إبراهيم فكان كرم من الله سبحانه و تعالي و هبة و عطاء و تشريع لهذه الشعيرة العظيمة شعيرة الأضحية ،
{ وتَرَكنا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ }
فكل الأمم المتأخرة تسلم علي إبراهيم و تريد الإنتساب إليه و إن أولي الناس بإبراهيم للذين إتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا معه و نحن أولي الناس بإبراهيم إذ نحن علي ملته
{ َكذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ *وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }
نسأل الله أن يجعلنا من المحسنين و لا يجعلنا من الظالمين و أن يلحقنا بالصالحين أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم ،