هكذا سار الحديث مع الأستاذ أحمد باديب نائب رئيس جهاز المخابرات السعودية الأسبق، مع «المصرى اليوم»، فإلى نص الحوار.
■ رغم انتمائك لأسرة ثرية فى جدة، إلا أن نشأتك جاءت فى صحراء المملكة مع جدة كانت ترعى الغنم، كيف أثر ذلك على حياتك؟
- كانت والدتى مريضة لا تستطيع رعايتى أنا
وأخى سعيد، فقرر أبى ترك أمر العناية بنا لزوجة جدى، وكانت سيدة فاضلة ترعى الغنم فى صحراء المملكة، وفى الصحراء تولد لدى الإحساس بعالم القبيلة وقوانينها، على سبيل المثال فإن سكان الصحراء لديهم ديمقراطية لا توجد لدى سكان المدن، الجميع يدلى بدلوه فى الموضوع، حتى الطفل الصغير، وفى النهاية يكون الرأى الأخير لشيخ القبيلة، وهناك تعلمت الارتباط بالفرد لا بالأرض، فالقبائل التى ترعى الغنم تتنقل من موقع لآخر حسب وجود الكلأ، وعندما تتحدثين مع البدوى عن الأرض والانتماء لها، فإنه لا يفهم ذلك لأن كل الأرض أرضه طالما بها مرعى، أما أهم شىء، تعلمته فى الصحراء فهو الصدق القائم على حرية التأمل، فهناك لا خوف ولا كذب كلنا مكشوفون كطبيعة الأرض التى نعيش عليها.
■ التحقت بالعمل فى الاستخبارات فى ظروف سياسية صعبة، هل تصف لنا بعض ملامحها؟
- تخرجت فى كلية العلوم قسم كيمياء الحيوان، ولكننى عملت بالاستخبارات واقتربت من الشيخ كمال أدهم رئيس جهاز الاتصالات الخارجية، وتعلمت الكثير فى تلك الفترة التى كانت شديدة الحساسية بعد نكسة يونيو ١٩٦٧، مصر كانت تصر على التأكيد على رفض مبدأ الحرب، فى الوقت الذى كانت الاستعدادات تجرى فيه على قدم وساق لاستعادة الأرض، وحدث اجتماع بين الملك فيصل والشيخ كمال أدهم ووزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، كان حديث الملك فيصل يدور حول استحالة بقاء الوضع فى الشرق الأوسط على ما هو عليه بعد النكسة،
وأنه لابد من إعادة سيناء والجولان والضفة وغزة ولو بالمفاوضات، كان الاعتقاد السائد أن إسرائيل طفل أمريكا المدلل التى لن تسمح لأحد بالاعتداء عليه، ولكن كيسنجر أعرب عن قناعة بلاده بعدم القدرة على إقناع إسرائيل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، طالما ظلت هى الطرف الأقوى، وأنه لابد من تحرك عسكرى عربى يجبر إسرائيل على التفاوض، وهو ما اعتبره الملك فيصل بمثابة الضوء الأخضر الأمريكى لقيام الحرب، وتحدث فى ذلك مع الرئيس السادات حيث كان التنسيق بينهما على أعلى المستويات.
■ علي ذكر هنرى كيسنجر، هل تتفق مع مقولته الشهيرة بأن التعامل مع العالم العربى يجب أن يتم وفقاً لنظرية الشيخ والقبيلة؟
- العملية أعقد من نظرية هنرى كيسنجر، هو يظن أننا نتعامل بمنطق الشيخ الذى يرأس قبيلة لا يبحث سوى عن مصلحتها، ويحدد علاقته بمن حوله، حسب تلك المصالح، ولكن العملية أعقد من ذلك لأن هناك أموراً نفسية لدى كل نظام عربى، أهمها عقدة الخوف من التجربة واتخاذ القرار الصحيح، نفتقد الثقة فى قدرات شعوبنا وفى بعضنا البعض، كما نفتقد الهدف والرؤية والإرادة، أذكر تصريحات ياسر عرفات حين كان يقول إن فلسطين لن تتحرر إلا عبر جونيا فى لبنان، ليتوافد الفلسطينيون على جنوب لبنان ويصبحوا عبئاً عليها، لا هم يحملون هوية البلد، ولا هم عادوا لبلادهم التى ادعوا أن تحريرها سيبدأ من لبنان، نحن لا نعرف ماذا نريد ولا كيف ننفذ ما نسعى له.
■ أين تكمن مشكلة الأنظمة العربية، فى عدم الثقة فى بعضها البعض أم فى الخوف على النظم التى يترأسونها؟
- مشكلة الأنظمة العربية أن الغالبية منهم ليسوا أكفاء بتشديد الفاء، وهى جمع كفء، ولكنهم أكفاء، بفتح الفاء، وهى جمع كفيف، هم غير قادرين على قراءة الأمور بشكل صحيح فيخلطون الأمور، نحن لم نأت بالكفء الذى يحكم ويتحمل المسؤولية ولكننا نأتى بأهل الثقة، لا يهم عنصر الكفاءة بل على العكس قد تكون الأمانة والكفاءة من السمات غير المطلوبة.
■ هل تتفق مع الرأى القائل إن الأنظمة العربية كان من مصلحتها بقاء القضية الفلسطينية على حالها؟
- لقد اختلطت حبال اللعبة فى قضية فلسطين، هناك عوامل خارجية وداخلية كثيرة أثرت عليها بدءاً من رفض قرار التقسيم عام ١٩٤٧ وكان يمنح اليهود ٣٪ من أرض فلسطين والبقية للعرب، انتهاءً بالوضع الحالى الذى قسم الشعب الفلسطينى جبهتين، كل منهما تتهم الأخرى بالعمالة، وتدعى كل منهما العروبة، لتتوالى الاعتراضات المدفوعة من مصالح قوى خارجية، على ما يُطرح من حلول، وفى عالمنا العربى أدمنا ممارسة سياسة ردود الفعل لا المبادرات، يا ليتهم خططوا لاستغلال قضية فلسطين، نحن أمة لا تعرف التخطيط حتى فى المكائد، أتذكر الحبيب بورقيبة الذى أقر مبدأ سياسيا مهما بات يدرس فى عالم السياسة مفاده «خذ وطالب»، وكان ينصح به الفلسطينيين لحل مشكلة قضيتهم، فاتهمته بعض الأنظمة العربية بالخيانة والماسونية.
■ ألم يكن هذا المبدأ هو ذاته الذى تعامل به الرئيس السادات فى كامب ديفيد واتهم بالخيانة من قبل الأنظمة العربية ومن بينها السعودية؟
- الرئيس السادات لم يكن أبدًا خائنًا، كان رجلاً على قدر المسؤولية، ومن أشجع الحكام العرب، يكفى تحمله قرار الحرب الذى لم يكن بالأمر السهل، وقرار السلام والذهاب للقدس الذى كان أصعب من قرار الحرب، وقد أخذ السادات قرار التفاوض مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر، بالتنسيق الكامل مع الملك فيصل رحمه الله، تمامًا كما أخذ قرار الحرب معه، كان الملك فيصل يؤمن بإمكانية تحقيق السلام مع إسرائيل على أن تستعيد مصر سيناء، وسوريا الجولان، وتقام دولة فلسطينية فى غزة وجزء من الضفة، كما كان يؤمن بأن الفلسطينيين قادرون بعد إقامة دولتهم على استعادة الباقى إن أرادوا، ولكن شاءت الأقدار أن يموت الملك فيصل فى العام ١٩٧٥ فيكمل الرئيس السادات الطريق وحده.
■ كيف تفسر منح الولايات المتحدة مصر الضوء الأخضر لخوض الحرب ضد إسرائيل، ثم تقوم بمدها بالسلاح لحمايتها من الانهيار؟
- كان الهدف من الحرب هو تحريك الموقف، وكانت توقعات الخسارة عالية، وكالعادة فقدنا الرؤية العربية الجماعية التى تؤيد موقفنا، فقد رفض الملك حسين ملك الأردن المشاركة فى الحرب رغم أهمية الجبهة الأردنية فى دعم القوة العسكرية، وتم الاتفاق بين الملك فيصل والرئيس السادات على أن تقوم مصر بعبور القناة والوصول إلى الكبارى والممرات وتحصين نقطها الدفاعية والتمسك بها دون التوسع فى عمق سيناء، وهو ما حدث فى الأيام الثلاثة الأولى للحرب وبأقل الخسائر المتوقعة، على عكس الجبهة السورية التى خسرت الكثير، حتى إن القوات الإسرائيلية صارت على بعد ٤٠ كيلومترًا من دمشق، فاضطر السادات إلى تعميق القتال فى سيناء وتطويره خارجًا عن الخطة الموضوعة لتخفيف الضغط عن الجبهة السورية، فبدأ التدخل الأمريكى فى الحرب إلى الحد الذى أعلن فيه كيسنجر وقتها الاستعداد النووى الأمريكى لصالح إسرائيل، وبدأ الجسر الجوى للسلاح الأمريكى فى دعمها، ووقعت مذبحة الدبابات التى خسرت فيها مصر ما يزيد على ٢٠٠ دبابة بسبب تفوق السلاح الأمريكى، وحدثت ثغرة الدفرسوار التى كان من الممكن التعامل معها، لولا الضغط الغربى على مصر لمنعها من تصفيتها، فشعر السادات أنه لو أكمل الحرب، سينقلب النصر الذى حققه عليه، كان السادات بطلاً، تحمل كل هذ الضغوط برباطة جأش وحكمة كان يفتقدها الكثير من الزعماء العرب.
■ ولماذا تغير الموقف العربى عامة والسعودى خاصة، بعد إعلان الرئيس السادات عن عزمه عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل؟
- بعد وفاة الملك فيصل فى العام ١٩٧٥، تغير الموقف فى السعودية، وشعر الرئيس السادات أنه بمفرده، فقرر إعلان مبادرته للسلام مع إسرائيل، وذهب إلى أبعد الحدود وأعلن عن زيارة القدس، وتفاعل العرب مع الموقف عاطفيًا وبشكل خاطئ، وأتذكر أن المسؤولين فى المملكة سألوا السادات عن مبرراته فى هذا الموقف، فأكد لهم أن ما فعله كان متفقًا عليه مع الملك فيصل، وأن المنسق بينهما كان الشيخ كمال أدهم، رئيس مكتب الاتصالات الخارجية، وقتها بدأت تحركات صدام حسين ومعه الفلسطينيون ليظهروا السادات أمام العرب كخائن، حتى إن المملكة العربية السعودية أقالت الشيخ كمال أدهم، وقاطع العرب مصر وكان على الرئيس السادات أن يسير وحيدًا فى طريق ثبت بعد كل هذه السنين صحته.
■ عملت مدرسًا للأحياء فى إحدى المدارس الثانوية السعودية، وقمت بالتدريس لأسامة بن لادن، كيف كان حاله وقتها؟
- كنت أعتبر أسامة بن لادن بمثابة ابنى، كان دمث الخلق، مهذب الكلمات، هادئ الطباع ويقظ الذهن، وفوجئت بالطبع بما آل إليه حاله بعد ذلك، وأعتقد أن جزءًا من المشكلة الخاصة بين بن لادن ومن هم مثله، تكمن فى الازدواجية التى نحيا بها كأمة إسلامية على وجه العموم، وفى المملكة السعودية على وجه الخصوص، حيث هناك فهم خاطئ للدين الذى ندرسه لأبنائنا فى مناهج التعليم، والذى لا يولد لديهم سوى تكفير الآخر.
■ كنت أبرز المساعدين للأمير تركى بن عبدالعزيز فى إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات السعودى، كيف تم ذلك؟
- بعد عودتى من الدراسة فى الولايات المتحدة، شاءت الأقدار أن ألتقى بالأمير تركى بن عبدالعزيز الذى صار فيما بعد رئيسًا للاستخبارات السعودية، وطلب منى أن أساعده فى إعادة تأسيس جهاز استخبارات على أحدث النظم، وقلت له إننا بحاجة للاعتماد على أساس علمى، وحددنا مهام الجهاز، وفصلنا بينه وبين أجهزة أخرى حتى لا يتعارض عمله مع مهام أجهزة أخرى كالداخلية أو الخارجية، ثم طلبت منه أن نذهب للحصول على دورات مكثفة من كل أجهزة المخابرات فى العالم، ثم أرسلنا مجموعات من الضباط السعوديين لتهيئتهم لهذا العمل فصنعنا كوادر مميزة وبات جهاز الاستخبارات السعودى من أقوى أجهزة المخابرات فى العالم العربى لأنه اعتمد على فكر المؤسساتية.
■ رغم قوة هذا الجهاز الذى تتحدث عنه، إلا أن ٢١ متهمًا من بين ٣٥ متهما فى تفجيرات ١١ سبتمبر كانوا من السعوديين؟
- أولاً ٢١ سعوديا رقم صغير جدًا، ثانيًا القضية التى قُبض على هؤلاء فيها قضية عدالة، فقد تفتحت عيوننا كعرب على قضية فلسطين التى لم تجد لها الأجيال المتعاقبة أى حل. فى ذات الوقت الذى تكونت فيه جماعات هؤلاء المجاهدين العرب فى أفغانستان بتشجيع من أجهزة المخابرات فى مصر والسعودية والولايات المتحدة، للقضاء على الوجود السوفيتى هناك، كل حسب مصالحه، فربينا جماعة خارجة عن نطاق أوطاننا العربية، جماعة لا تخاف، وللأسف فإننا لم نحتضن تلك الجماعة بعد انتهاء الحرب، لم نحسب عددهم وفقدنا السيطرة عليهم.
■ ومن أين جاء التقصير، من الأنظمة العربية أم من أجهزة الاستخبارات؟
- من كليهما، أجهزة الاستخبارات انشغلت بتغيير صورتها، فتركت هامشًا من الحرية غير الموجهة ظنًا منا أن هؤلاء الشباب ذوو قدرات ضعيفة ولن يفعلوا شيئًا أكبر مما فعلوه فى أفغانستان. كما شغلنا كعرب بحرب الخليج الثانية ودخول صدام للكويت، فدخلنا فى متاهة شديدة، وكان علينا فى المملكة السعودية أن نحمى أنفسنا، فمن جرأ صدام على دخول الكويت، يجرئه على دخول السعودية، ونسينا هؤلاء الشباب الذين نظمهم الآخرون وبات لديهم أرض خصبة لفعل ما يريدون مع الإيمان الشديد بأنهم سيخلصون العالم العربى من كل ما يعانيه من ظلم سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، بينما كان هناك دول عربية أمسكت العصا من المنتصف فى علاقتها مع القاعدة، مثل اليمن التى كانت تعلم أن للحوثيين علاقة قوية مع القاعدة ولكنها تغاضت عن ذلك لتحقيق الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه، وبعد أن حققت هدفها كانت الحرب بين النظام والحوثيين هناك.
■ كيف ترى العلاقات التى تربط الأنظمة العربية بالولايات المتحدة الأمريكية كرجل استخبارات؟
- الولايات المتحدة دولة مؤسساتية، لديها خطط متواصلة لا تقف بخروج شخص ما من السلطة، وإذا كان للولايات المتحدة مصالح سياسية واقتصادية فى المنطقة، فإنها تحميها من خلال توثيق علاقتها بالأنظمة الموجودة فيها من جانب، والارتباط بجماعات المعارضة فى كل دول العالم العربى من جانب آخر، تطبق مع تلك الجماعات مبدأ «شعرة معاوية»، ولنا فى إيران أسوة، فبعد طرد الخمينى من العراق من قبل صدام حسين، ذهب لفرنسا التى دعمته ومعها الولايات المتحدة بعدما شعرت أن الشاه، الذى كان يوصف بشرطى أمريكا فى المنطقة، يغير من اتجاهاته بعد تعاقده على المفاعل الذرى ومصنع للحديد والصلب مع الاتحاد السوفييتى، فكانت الثورة الإسلامية التى أيدها الجيش والشعب فى إيران، وفاقت حتى تصورات الولايات المتحدة، ولذا فإن المخابرات الأمريكية لا تلتقى إلا بجماعات المعارضة داخل الدول العربية أو خارجها، وإن انتهت مصلحة أمريكا مع أى نظام فورقة المعارضة جاهزة للعب بها وقلب أى نظام.
■ وأين تكمن مصلحة الولايات المتحدة فى مصر؟
- مصر دولة عربية ذات ثقل سياسى وتمتلك خيوط اللعبة السياسية لكل المنطقة فى يدها، ولها قدرة على تحريك العالم العربى بشكل كبير، ولذا فمهما تباعدت المسافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين مصر فإن منطق المصلحة لايزال يحكم الأمور فى العلاقة بين البلدين.
■ رغم ما ينشر من تقارير أمريكية عن تراجع الدور المصرى فى المنطقة؟
- هذه تقارير غير حقيقية وأمريكا تعلم ذلك، هى فقط تنشرها بين الحين والآخر للضغط على مصر لتنفيذ مصلحة لها، أو جعل مصر تتراجع عن موقف سبق أن أعلنته، أو لينفذ النظام ما يريده الأمريكان.
■ يقولون إن النظام الحاكم السعودى يشترى الود الأمريكى للحفاظ على دوام سيطرة العائلة المالكة ضد المعارضة؟
- من يقرأ التاريخ يعرف أن علاقة الولايات المتحدة بالمملكة السعودية فى صعود وهبوط طبقاً للمصالح التى تربط بين الطرفين، على سبيل المثال عندما قامت ثورة اليمن وأرسل عبدالناصر الجيش المصرى لتثبيت الثورة ضد حكم الإمام، خشيت السعودية من الوجود المصرى هناك ولم يكن أمامها سوى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الأخيرة غضت النظر عن المطالب السعودية لأنها كانت مستفيدة من انهيار نظام الإمامة وقيام نظام جمهورى فى اليمن، فى نفس الوقت الذى ظهر فيه حالة من الصراع بين النظام فى مصر بقيادة عبدالناصر الذى دعا للفكر القومى، والنظام فى السعودية الذى أيد الفكر الإسلامى، وكانت الولايات المتحدة على خلاف مع النظام الناصرى، ولذا عادت لدعم المملكة السعودية،
ولكن بمرور الوقت أدركت أن دعم التوجهات الإسلامية للنظام السعودى، ضد مصالح إسرائيل ومصالحها فى المنطقة، فبدأت فى مهاجمة الفكر الإسلامى ووصفه بالإرهاب بين الحين والآخر. اليوم يعلم الجميع قوة العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة، ولكن لا صحة لما يُقال أن النظام السعودى يقلق من المعارضة لأنه ليس لدينا معارضة حقيقية فى بلدنا، نحن دولة تقوم على أساس دينى، لدينا ٢٦ مليون مواطن يؤمن بالنظام على اعتبار أن ذلك جزء من الإيمان بالله، المملكة لا تخشى المعارضة كما تقول تقارير الغرب، ولكنها تخشى المتزمتين دينياً، ولذا ترفض على سبيل المثال السماح للمرأة بقيادة السيارة، لا تريد ثورة من قبل هؤلاء.
■ إذن القيادة ترضخ للفكر الدينى المتشدد؟
- لأن الفكر المتشدد قادر على تحريك قاعدة، والنظام يأخذ بالأصلح. المرأة تقود سيارة أم تقوم ثورة فى البلد؟
■ كيف نحمى أنفسنا كعرب من التلاعب بيد الولايات المتحدة؟
- كرامة المواطن هى الأساس، المواطن العربى بحاجة أن يشعر بآدميته، وهويته وأن يمتلك قوت يومه. وهذا رأى عقلاء الأمة، فحالنا غير مرض والأنظمة فى دوامات صراع الوجود والبقاء. المسؤول يبقى فى بلادنا لسنوات تفوق العشرين، وكذلك الحاكم بشكل تخطى حدود الملكية. الرئيس القذافى يحكم ليبيا منذ عام ١٩٦٩، ويطلق على دولته اسم الجماهيرية الديمقراطية، أين الديمقراطية فى دولة يحكمها نفس الرئيس منذ ٤٠ سنة؟ وكل الدول العربية بدون استثناء غير ديمقراطية ولا تعترف بفكر دول المؤسسات.
■ بعض الآراء فى مصر تتهم المملكة بتصدير الفكر الوهابى.. ما تعليقك؟
- لا يوجد شىء اسمه وهابية لأن الإمام محمد بن عبدالوهاب كان حنبلياً وعندما جاء حارب بدع أهل الحجاز التى لا علاقة لها بالدين، ولذا منع كل شىء قد يسىء للدين حتى صغائر البدع كالغناء، وهذا الفكر أخذ معه المعتدلين، ولكنه تواءم مع فكر جد الملك عبدالعزيز لينشئوا دولة دينية. اليوم بتنا بحاجة للتغيير المتدرج مع أصحاب هذا الفكر من خلال التعليم، لتتحول المملكة من دولة يحكمها التعصب الدينى إلى دولة ديمقراطية.
■ ماذا عن المنافسة بين القاهرة والرياض فى اختطاف دور الزعامة السياسية فى المنطقة؟
- من قال إنها منافسة؟ هناك تنسيق كامل بين البلدين على أعلى المستويات وفى كل المواقف.
■ وماذا يعنى لك خطاب أوباما فى تركيا عقب توليه الحكم وما قيل من إنها تمثل النموذج المثالى للإسلام الذى تبحث عنه أمريكا؟
- كل رئيس أمريكى يتعامل فى بداية ولايته من منطلق مفاهيمه ومفاهيم فريقه العامل معه. ولكن ما هى إلا أيام حتى يبدأ فى قراءة الأمور بعيون تقارير أجهزة الدولة. كما حدث فى قصة المستوطنات الإسرائيلية، ففى مطلع عهد أوباما تحدث عن وقف الاستيطان كشرط لبدء مفاوضات السلام، ومع غضب إسرائيل أعلنت أمريكا تفهمها لمشاريع الاستيطان فى فلسطين.
وتركيا قد تكون دولة قوية وذات تواجد قوى فى العالم الإسلامى ولكنها دولة بعيدة فى ثقافتها والكثير من المصالح والتوجهات مع العالم العربى. وأمريكا تعلم ذلك وتعلم أين تضع أقدامها.
■ ماذا عن إيران.. هل هى بالفعل دولة معادية للعالم العربى؟
- إيران دولة دينية، تقوم على المبدأ الشيعى منذ أكثر من ٤٠٠ سنة، يعتبرون أنفسهم من دماء زرقاء غير بقية الدماء فى المنطقة، ويريدون نشر مذهبهم فى كل مكان. ويحاولون استغلال القضية الفلسطينية عبر الإعلان عن أنها الأكثر ولاءً لها.
ولكن هذا غير حقيقى لأن الطموحات الإيرانية لا حدود لها وهذا ما يخيفنا كعرب منها، فقد احتلت الجزر الإماراتية الثلاث وترفض إعادتها، ودعمها لجماعات معارضة داخل الدول العربية وحزب الله فى لبنان خير مثال، إيران لا تبدى حسن النية وإن أرادت التأييد العربى فعليها بتغيير استراتيجيتها.
■ رغم انتمائك لأسرة ثرية فى جدة، إلا أن نشأتك جاءت فى صحراء المملكة مع جدة كانت ترعى الغنم، كيف أثر ذلك على حياتك؟
- كانت والدتى مريضة لا تستطيع رعايتى أنا
وأخى سعيد، فقرر أبى ترك أمر العناية بنا لزوجة جدى، وكانت سيدة فاضلة ترعى الغنم فى صحراء المملكة، وفى الصحراء تولد لدى الإحساس بعالم القبيلة وقوانينها، على سبيل المثال فإن سكان الصحراء لديهم ديمقراطية لا توجد لدى سكان المدن، الجميع يدلى بدلوه فى الموضوع، حتى الطفل الصغير، وفى النهاية يكون الرأى الأخير لشيخ القبيلة، وهناك تعلمت الارتباط بالفرد لا بالأرض، فالقبائل التى ترعى الغنم تتنقل من موقع لآخر حسب وجود الكلأ، وعندما تتحدثين مع البدوى عن الأرض والانتماء لها، فإنه لا يفهم ذلك لأن كل الأرض أرضه طالما بها مرعى، أما أهم شىء، تعلمته فى الصحراء فهو الصدق القائم على حرية التأمل، فهناك لا خوف ولا كذب كلنا مكشوفون كطبيعة الأرض التى نعيش عليها.
■ التحقت بالعمل فى الاستخبارات فى ظروف سياسية صعبة، هل تصف لنا بعض ملامحها؟
- تخرجت فى كلية العلوم قسم كيمياء الحيوان، ولكننى عملت بالاستخبارات واقتربت من الشيخ كمال أدهم رئيس جهاز الاتصالات الخارجية، وتعلمت الكثير فى تلك الفترة التى كانت شديدة الحساسية بعد نكسة يونيو ١٩٦٧، مصر كانت تصر على التأكيد على رفض مبدأ الحرب، فى الوقت الذى كانت الاستعدادات تجرى فيه على قدم وساق لاستعادة الأرض، وحدث اجتماع بين الملك فيصل والشيخ كمال أدهم ووزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، كان حديث الملك فيصل يدور حول استحالة بقاء الوضع فى الشرق الأوسط على ما هو عليه بعد النكسة،
وأنه لابد من إعادة سيناء والجولان والضفة وغزة ولو بالمفاوضات، كان الاعتقاد السائد أن إسرائيل طفل أمريكا المدلل التى لن تسمح لأحد بالاعتداء عليه، ولكن كيسنجر أعرب عن قناعة بلاده بعدم القدرة على إقناع إسرائيل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، طالما ظلت هى الطرف الأقوى، وأنه لابد من تحرك عسكرى عربى يجبر إسرائيل على التفاوض، وهو ما اعتبره الملك فيصل بمثابة الضوء الأخضر الأمريكى لقيام الحرب، وتحدث فى ذلك مع الرئيس السادات حيث كان التنسيق بينهما على أعلى المستويات.
■ علي ذكر هنرى كيسنجر، هل تتفق مع مقولته الشهيرة بأن التعامل مع العالم العربى يجب أن يتم وفقاً لنظرية الشيخ والقبيلة؟
- العملية أعقد من نظرية هنرى كيسنجر، هو يظن أننا نتعامل بمنطق الشيخ الذى يرأس قبيلة لا يبحث سوى عن مصلحتها، ويحدد علاقته بمن حوله، حسب تلك المصالح، ولكن العملية أعقد من ذلك لأن هناك أموراً نفسية لدى كل نظام عربى، أهمها عقدة الخوف من التجربة واتخاذ القرار الصحيح، نفتقد الثقة فى قدرات شعوبنا وفى بعضنا البعض، كما نفتقد الهدف والرؤية والإرادة، أذكر تصريحات ياسر عرفات حين كان يقول إن فلسطين لن تتحرر إلا عبر جونيا فى لبنان، ليتوافد الفلسطينيون على جنوب لبنان ويصبحوا عبئاً عليها، لا هم يحملون هوية البلد، ولا هم عادوا لبلادهم التى ادعوا أن تحريرها سيبدأ من لبنان، نحن لا نعرف ماذا نريد ولا كيف ننفذ ما نسعى له.
■ أين تكمن مشكلة الأنظمة العربية، فى عدم الثقة فى بعضها البعض أم فى الخوف على النظم التى يترأسونها؟
- مشكلة الأنظمة العربية أن الغالبية منهم ليسوا أكفاء بتشديد الفاء، وهى جمع كفء، ولكنهم أكفاء، بفتح الفاء، وهى جمع كفيف، هم غير قادرين على قراءة الأمور بشكل صحيح فيخلطون الأمور، نحن لم نأت بالكفء الذى يحكم ويتحمل المسؤولية ولكننا نأتى بأهل الثقة، لا يهم عنصر الكفاءة بل على العكس قد تكون الأمانة والكفاءة من السمات غير المطلوبة.
■ هل تتفق مع الرأى القائل إن الأنظمة العربية كان من مصلحتها بقاء القضية الفلسطينية على حالها؟
- لقد اختلطت حبال اللعبة فى قضية فلسطين، هناك عوامل خارجية وداخلية كثيرة أثرت عليها بدءاً من رفض قرار التقسيم عام ١٩٤٧ وكان يمنح اليهود ٣٪ من أرض فلسطين والبقية للعرب، انتهاءً بالوضع الحالى الذى قسم الشعب الفلسطينى جبهتين، كل منهما تتهم الأخرى بالعمالة، وتدعى كل منهما العروبة، لتتوالى الاعتراضات المدفوعة من مصالح قوى خارجية، على ما يُطرح من حلول، وفى عالمنا العربى أدمنا ممارسة سياسة ردود الفعل لا المبادرات، يا ليتهم خططوا لاستغلال قضية فلسطين، نحن أمة لا تعرف التخطيط حتى فى المكائد، أتذكر الحبيب بورقيبة الذى أقر مبدأ سياسيا مهما بات يدرس فى عالم السياسة مفاده «خذ وطالب»، وكان ينصح به الفلسطينيين لحل مشكلة قضيتهم، فاتهمته بعض الأنظمة العربية بالخيانة والماسونية.
■ ألم يكن هذا المبدأ هو ذاته الذى تعامل به الرئيس السادات فى كامب ديفيد واتهم بالخيانة من قبل الأنظمة العربية ومن بينها السعودية؟
- الرئيس السادات لم يكن أبدًا خائنًا، كان رجلاً على قدر المسؤولية، ومن أشجع الحكام العرب، يكفى تحمله قرار الحرب الذى لم يكن بالأمر السهل، وقرار السلام والذهاب للقدس الذى كان أصعب من قرار الحرب، وقد أخذ السادات قرار التفاوض مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر، بالتنسيق الكامل مع الملك فيصل رحمه الله، تمامًا كما أخذ قرار الحرب معه، كان الملك فيصل يؤمن بإمكانية تحقيق السلام مع إسرائيل على أن تستعيد مصر سيناء، وسوريا الجولان، وتقام دولة فلسطينية فى غزة وجزء من الضفة، كما كان يؤمن بأن الفلسطينيين قادرون بعد إقامة دولتهم على استعادة الباقى إن أرادوا، ولكن شاءت الأقدار أن يموت الملك فيصل فى العام ١٩٧٥ فيكمل الرئيس السادات الطريق وحده.
■ كيف تفسر منح الولايات المتحدة مصر الضوء الأخضر لخوض الحرب ضد إسرائيل، ثم تقوم بمدها بالسلاح لحمايتها من الانهيار؟
- كان الهدف من الحرب هو تحريك الموقف، وكانت توقعات الخسارة عالية، وكالعادة فقدنا الرؤية العربية الجماعية التى تؤيد موقفنا، فقد رفض الملك حسين ملك الأردن المشاركة فى الحرب رغم أهمية الجبهة الأردنية فى دعم القوة العسكرية، وتم الاتفاق بين الملك فيصل والرئيس السادات على أن تقوم مصر بعبور القناة والوصول إلى الكبارى والممرات وتحصين نقطها الدفاعية والتمسك بها دون التوسع فى عمق سيناء، وهو ما حدث فى الأيام الثلاثة الأولى للحرب وبأقل الخسائر المتوقعة، على عكس الجبهة السورية التى خسرت الكثير، حتى إن القوات الإسرائيلية صارت على بعد ٤٠ كيلومترًا من دمشق، فاضطر السادات إلى تعميق القتال فى سيناء وتطويره خارجًا عن الخطة الموضوعة لتخفيف الضغط عن الجبهة السورية، فبدأ التدخل الأمريكى فى الحرب إلى الحد الذى أعلن فيه كيسنجر وقتها الاستعداد النووى الأمريكى لصالح إسرائيل، وبدأ الجسر الجوى للسلاح الأمريكى فى دعمها، ووقعت مذبحة الدبابات التى خسرت فيها مصر ما يزيد على ٢٠٠ دبابة بسبب تفوق السلاح الأمريكى، وحدثت ثغرة الدفرسوار التى كان من الممكن التعامل معها، لولا الضغط الغربى على مصر لمنعها من تصفيتها، فشعر السادات أنه لو أكمل الحرب، سينقلب النصر الذى حققه عليه، كان السادات بطلاً، تحمل كل هذ الضغوط برباطة جأش وحكمة كان يفتقدها الكثير من الزعماء العرب.
■ ولماذا تغير الموقف العربى عامة والسعودى خاصة، بعد إعلان الرئيس السادات عن عزمه عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل؟
- بعد وفاة الملك فيصل فى العام ١٩٧٥، تغير الموقف فى السعودية، وشعر الرئيس السادات أنه بمفرده، فقرر إعلان مبادرته للسلام مع إسرائيل، وذهب إلى أبعد الحدود وأعلن عن زيارة القدس، وتفاعل العرب مع الموقف عاطفيًا وبشكل خاطئ، وأتذكر أن المسؤولين فى المملكة سألوا السادات عن مبرراته فى هذا الموقف، فأكد لهم أن ما فعله كان متفقًا عليه مع الملك فيصل، وأن المنسق بينهما كان الشيخ كمال أدهم، رئيس مكتب الاتصالات الخارجية، وقتها بدأت تحركات صدام حسين ومعه الفلسطينيون ليظهروا السادات أمام العرب كخائن، حتى إن المملكة العربية السعودية أقالت الشيخ كمال أدهم، وقاطع العرب مصر وكان على الرئيس السادات أن يسير وحيدًا فى طريق ثبت بعد كل هذه السنين صحته.
■ عملت مدرسًا للأحياء فى إحدى المدارس الثانوية السعودية، وقمت بالتدريس لأسامة بن لادن، كيف كان حاله وقتها؟
- كنت أعتبر أسامة بن لادن بمثابة ابنى، كان دمث الخلق، مهذب الكلمات، هادئ الطباع ويقظ الذهن، وفوجئت بالطبع بما آل إليه حاله بعد ذلك، وأعتقد أن جزءًا من المشكلة الخاصة بين بن لادن ومن هم مثله، تكمن فى الازدواجية التى نحيا بها كأمة إسلامية على وجه العموم، وفى المملكة السعودية على وجه الخصوص، حيث هناك فهم خاطئ للدين الذى ندرسه لأبنائنا فى مناهج التعليم، والذى لا يولد لديهم سوى تكفير الآخر.
■ كنت أبرز المساعدين للأمير تركى بن عبدالعزيز فى إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات السعودى، كيف تم ذلك؟
- بعد عودتى من الدراسة فى الولايات المتحدة، شاءت الأقدار أن ألتقى بالأمير تركى بن عبدالعزيز الذى صار فيما بعد رئيسًا للاستخبارات السعودية، وطلب منى أن أساعده فى إعادة تأسيس جهاز استخبارات على أحدث النظم، وقلت له إننا بحاجة للاعتماد على أساس علمى، وحددنا مهام الجهاز، وفصلنا بينه وبين أجهزة أخرى حتى لا يتعارض عمله مع مهام أجهزة أخرى كالداخلية أو الخارجية، ثم طلبت منه أن نذهب للحصول على دورات مكثفة من كل أجهزة المخابرات فى العالم، ثم أرسلنا مجموعات من الضباط السعوديين لتهيئتهم لهذا العمل فصنعنا كوادر مميزة وبات جهاز الاستخبارات السعودى من أقوى أجهزة المخابرات فى العالم العربى لأنه اعتمد على فكر المؤسساتية.
■ رغم قوة هذا الجهاز الذى تتحدث عنه، إلا أن ٢١ متهمًا من بين ٣٥ متهما فى تفجيرات ١١ سبتمبر كانوا من السعوديين؟
- أولاً ٢١ سعوديا رقم صغير جدًا، ثانيًا القضية التى قُبض على هؤلاء فيها قضية عدالة، فقد تفتحت عيوننا كعرب على قضية فلسطين التى لم تجد لها الأجيال المتعاقبة أى حل. فى ذات الوقت الذى تكونت فيه جماعات هؤلاء المجاهدين العرب فى أفغانستان بتشجيع من أجهزة المخابرات فى مصر والسعودية والولايات المتحدة، للقضاء على الوجود السوفيتى هناك، كل حسب مصالحه، فربينا جماعة خارجة عن نطاق أوطاننا العربية، جماعة لا تخاف، وللأسف فإننا لم نحتضن تلك الجماعة بعد انتهاء الحرب، لم نحسب عددهم وفقدنا السيطرة عليهم.
■ ومن أين جاء التقصير، من الأنظمة العربية أم من أجهزة الاستخبارات؟
- من كليهما، أجهزة الاستخبارات انشغلت بتغيير صورتها، فتركت هامشًا من الحرية غير الموجهة ظنًا منا أن هؤلاء الشباب ذوو قدرات ضعيفة ولن يفعلوا شيئًا أكبر مما فعلوه فى أفغانستان. كما شغلنا كعرب بحرب الخليج الثانية ودخول صدام للكويت، فدخلنا فى متاهة شديدة، وكان علينا فى المملكة السعودية أن نحمى أنفسنا، فمن جرأ صدام على دخول الكويت، يجرئه على دخول السعودية، ونسينا هؤلاء الشباب الذين نظمهم الآخرون وبات لديهم أرض خصبة لفعل ما يريدون مع الإيمان الشديد بأنهم سيخلصون العالم العربى من كل ما يعانيه من ظلم سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، بينما كان هناك دول عربية أمسكت العصا من المنتصف فى علاقتها مع القاعدة، مثل اليمن التى كانت تعلم أن للحوثيين علاقة قوية مع القاعدة ولكنها تغاضت عن ذلك لتحقيق الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه، وبعد أن حققت هدفها كانت الحرب بين النظام والحوثيين هناك.
■ كيف ترى العلاقات التى تربط الأنظمة العربية بالولايات المتحدة الأمريكية كرجل استخبارات؟
- الولايات المتحدة دولة مؤسساتية، لديها خطط متواصلة لا تقف بخروج شخص ما من السلطة، وإذا كان للولايات المتحدة مصالح سياسية واقتصادية فى المنطقة، فإنها تحميها من خلال توثيق علاقتها بالأنظمة الموجودة فيها من جانب، والارتباط بجماعات المعارضة فى كل دول العالم العربى من جانب آخر، تطبق مع تلك الجماعات مبدأ «شعرة معاوية»، ولنا فى إيران أسوة، فبعد طرد الخمينى من العراق من قبل صدام حسين، ذهب لفرنسا التى دعمته ومعها الولايات المتحدة بعدما شعرت أن الشاه، الذى كان يوصف بشرطى أمريكا فى المنطقة، يغير من اتجاهاته بعد تعاقده على المفاعل الذرى ومصنع للحديد والصلب مع الاتحاد السوفييتى، فكانت الثورة الإسلامية التى أيدها الجيش والشعب فى إيران، وفاقت حتى تصورات الولايات المتحدة، ولذا فإن المخابرات الأمريكية لا تلتقى إلا بجماعات المعارضة داخل الدول العربية أو خارجها، وإن انتهت مصلحة أمريكا مع أى نظام فورقة المعارضة جاهزة للعب بها وقلب أى نظام.
■ وأين تكمن مصلحة الولايات المتحدة فى مصر؟
- مصر دولة عربية ذات ثقل سياسى وتمتلك خيوط اللعبة السياسية لكل المنطقة فى يدها، ولها قدرة على تحريك العالم العربى بشكل كبير، ولذا فمهما تباعدت المسافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين مصر فإن منطق المصلحة لايزال يحكم الأمور فى العلاقة بين البلدين.
■ رغم ما ينشر من تقارير أمريكية عن تراجع الدور المصرى فى المنطقة؟
- هذه تقارير غير حقيقية وأمريكا تعلم ذلك، هى فقط تنشرها بين الحين والآخر للضغط على مصر لتنفيذ مصلحة لها، أو جعل مصر تتراجع عن موقف سبق أن أعلنته، أو لينفذ النظام ما يريده الأمريكان.
■ يقولون إن النظام الحاكم السعودى يشترى الود الأمريكى للحفاظ على دوام سيطرة العائلة المالكة ضد المعارضة؟
- من يقرأ التاريخ يعرف أن علاقة الولايات المتحدة بالمملكة السعودية فى صعود وهبوط طبقاً للمصالح التى تربط بين الطرفين، على سبيل المثال عندما قامت ثورة اليمن وأرسل عبدالناصر الجيش المصرى لتثبيت الثورة ضد حكم الإمام، خشيت السعودية من الوجود المصرى هناك ولم يكن أمامها سوى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الأخيرة غضت النظر عن المطالب السعودية لأنها كانت مستفيدة من انهيار نظام الإمامة وقيام نظام جمهورى فى اليمن، فى نفس الوقت الذى ظهر فيه حالة من الصراع بين النظام فى مصر بقيادة عبدالناصر الذى دعا للفكر القومى، والنظام فى السعودية الذى أيد الفكر الإسلامى، وكانت الولايات المتحدة على خلاف مع النظام الناصرى، ولذا عادت لدعم المملكة السعودية،
ولكن بمرور الوقت أدركت أن دعم التوجهات الإسلامية للنظام السعودى، ضد مصالح إسرائيل ومصالحها فى المنطقة، فبدأت فى مهاجمة الفكر الإسلامى ووصفه بالإرهاب بين الحين والآخر. اليوم يعلم الجميع قوة العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة، ولكن لا صحة لما يُقال أن النظام السعودى يقلق من المعارضة لأنه ليس لدينا معارضة حقيقية فى بلدنا، نحن دولة تقوم على أساس دينى، لدينا ٢٦ مليون مواطن يؤمن بالنظام على اعتبار أن ذلك جزء من الإيمان بالله، المملكة لا تخشى المعارضة كما تقول تقارير الغرب، ولكنها تخشى المتزمتين دينياً، ولذا ترفض على سبيل المثال السماح للمرأة بقيادة السيارة، لا تريد ثورة من قبل هؤلاء.
■ إذن القيادة ترضخ للفكر الدينى المتشدد؟
- لأن الفكر المتشدد قادر على تحريك قاعدة، والنظام يأخذ بالأصلح. المرأة تقود سيارة أم تقوم ثورة فى البلد؟
■ كيف نحمى أنفسنا كعرب من التلاعب بيد الولايات المتحدة؟
- كرامة المواطن هى الأساس، المواطن العربى بحاجة أن يشعر بآدميته، وهويته وأن يمتلك قوت يومه. وهذا رأى عقلاء الأمة، فحالنا غير مرض والأنظمة فى دوامات صراع الوجود والبقاء. المسؤول يبقى فى بلادنا لسنوات تفوق العشرين، وكذلك الحاكم بشكل تخطى حدود الملكية. الرئيس القذافى يحكم ليبيا منذ عام ١٩٦٩، ويطلق على دولته اسم الجماهيرية الديمقراطية، أين الديمقراطية فى دولة يحكمها نفس الرئيس منذ ٤٠ سنة؟ وكل الدول العربية بدون استثناء غير ديمقراطية ولا تعترف بفكر دول المؤسسات.
■ بعض الآراء فى مصر تتهم المملكة بتصدير الفكر الوهابى.. ما تعليقك؟
- لا يوجد شىء اسمه وهابية لأن الإمام محمد بن عبدالوهاب كان حنبلياً وعندما جاء حارب بدع أهل الحجاز التى لا علاقة لها بالدين، ولذا منع كل شىء قد يسىء للدين حتى صغائر البدع كالغناء، وهذا الفكر أخذ معه المعتدلين، ولكنه تواءم مع فكر جد الملك عبدالعزيز لينشئوا دولة دينية. اليوم بتنا بحاجة للتغيير المتدرج مع أصحاب هذا الفكر من خلال التعليم، لتتحول المملكة من دولة يحكمها التعصب الدينى إلى دولة ديمقراطية.
■ ماذا عن المنافسة بين القاهرة والرياض فى اختطاف دور الزعامة السياسية فى المنطقة؟
- من قال إنها منافسة؟ هناك تنسيق كامل بين البلدين على أعلى المستويات وفى كل المواقف.
■ وماذا يعنى لك خطاب أوباما فى تركيا عقب توليه الحكم وما قيل من إنها تمثل النموذج المثالى للإسلام الذى تبحث عنه أمريكا؟
- كل رئيس أمريكى يتعامل فى بداية ولايته من منطلق مفاهيمه ومفاهيم فريقه العامل معه. ولكن ما هى إلا أيام حتى يبدأ فى قراءة الأمور بعيون تقارير أجهزة الدولة. كما حدث فى قصة المستوطنات الإسرائيلية، ففى مطلع عهد أوباما تحدث عن وقف الاستيطان كشرط لبدء مفاوضات السلام، ومع غضب إسرائيل أعلنت أمريكا تفهمها لمشاريع الاستيطان فى فلسطين.
وتركيا قد تكون دولة قوية وذات تواجد قوى فى العالم الإسلامى ولكنها دولة بعيدة فى ثقافتها والكثير من المصالح والتوجهات مع العالم العربى. وأمريكا تعلم ذلك وتعلم أين تضع أقدامها.
■ ماذا عن إيران.. هل هى بالفعل دولة معادية للعالم العربى؟
- إيران دولة دينية، تقوم على المبدأ الشيعى منذ أكثر من ٤٠٠ سنة، يعتبرون أنفسهم من دماء زرقاء غير بقية الدماء فى المنطقة، ويريدون نشر مذهبهم فى كل مكان. ويحاولون استغلال القضية الفلسطينية عبر الإعلان عن أنها الأكثر ولاءً لها.
ولكن هذا غير حقيقى لأن الطموحات الإيرانية لا حدود لها وهذا ما يخيفنا كعرب منها، فقد احتلت الجزر الإماراتية الثلاث وترفض إعادتها، ودعمها لجماعات معارضة داخل الدول العربية وحزب الله فى لبنان خير مثال، إيران لا تبدى حسن النية وإن أرادت التأييد العربى فعليها بتغيير استراتيجيتها.