المحامي منير رزق - النهار اللبنانية
الى جميع الذين اغتيل آباؤهم...
أصبح من الثابت، بالاستدلال المنطقي، أنّ القرار الاتهامي المتوقّع صدوره عن المحقّق الدولي سوف يتّهم مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، حزب الله، أو أفراداً من حزب الله – ربّما بعنوان "عناصر غير منضبطة" ! - بالضلوع في جريمة اغتيال رفيق الحريري وفي الجرائم ذات الصلة التي تدخل ضمن صلاحيّة المحكمة الخاصة للبنان ذات الطابع الدولي، كما أنّه سيكون لسوريا، كنظام، حصّتها من هذا الاتهام، وستنال ايران الجمهوريّة الإسلاميّة حصتها أيضاً.
كذلك أصبح من الثابت، بالاستدلال المنطقي أيضاً، أنّ القمة الثلاثية التي جمعت في بيروت بين العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشّار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان، والتي تلتها مباشرة زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لبنان، انّما كانت تهدف الى الطلب من سعد الحريري الاحجام عن تأييد المحكمة الدولية وقراراتها.
فإزاء حجم اللعبة الدولية التي تدور رحاها حاليّا على الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط حيث تتقاطع المصالح الأميركية المرتبطة بمنابع النفط مع الطموحات الإسرائيلية الى انشاء شرق أوسط جديد على قياس الدولة الصهيونية، وتتشابك مع المخططات الإيرانية الهادفة إلى الاعتراف بايران قوة كبرى في منطقة الشرق الأوسط والقبول بها عضواً في نادي الدول النووية، إضافة الى المحاولات التركية للتوفيق بين الإنجذاب نحو الغرب والتوجه الطبيعي نحو الشرق عبر بعث أحلام السلطنة العثمانيّة، والكلّ على خلفية الصراع العربي – الإسرائيلي المتأصّل في التاريخ وفي الجغرافيا.
وازاء مستجدّات عدم الاعتراف بالمحكمة الدوليّة، واعتماد منطق، امّا المحكمة واما الاستقرار، مع ما قد يثير ذلك من خضّات عنيفة وردود فعل غير محسوبة... أو محسوبة!
كان لا بد من الاستنجاد بشعارات الحكمة والتروي والتأني، خصوصاً وأنّ خيالات 7 أيار لا تزال ماثلة في الأذهان، كما أنّ ذرائع 5 أيار لا تزال جاهزة في خبايا الأدراج !
فالمطلوب هو السكوت.
المطلوب ان يسكت الابن عن اغتيال أبيه.
المطلوب ان تسكت الأم عن اغتيال ابنها، والأخت عن اغتيال أخيها.
المطلوب هو ان تختار بين ان تتكلم كريماً أو ان تسكت ذليلاً، كي تسلم، من دون أن يغرب عن بالك أنك قد تسكت ذليلا ولن تسلم !
المطلوب هو الصمت.
المطلوب هو أن تسود الـ omertà، أن يسود قانون الصمت.
المطلوب هو أن يعمّ الصمت فوق كل الروؤس كي "لا يعلو صوت فوق صوت المعركة "، الصوت الذي أسكت جميع الأصوات ليبقى هو الصوت الوحيد الذي يتناغم مع نعيق صوت العدو تواطؤاً لاخماد كل نسمة حرية في فكر الإنسان العربي.
وعندها، من يجرؤ على الكلام بعد ؟ من ينشر هذا المقال بعد ؟
•••
في المسرحية الفرنسية الكلاسيكية "السيّد" Le Cid (1637) للكاتب المسرحي بيار كورناي Pierre Corneille (1684- 1606) يقف بطل المسرحية "دون رودريغ" Don Rodrigue وحيداً على المسرح، بعد اهانة والد حبيبته "شيمان" Chimène والده، ليوازن بين فضائل الحب والكرامة والبحث عن السعادة.
فاذا امتنع عن الانتقام لكرامة والده الطاعن في السن حبّا بـ"شيمان" Chimène، سوف يخسر كرامته، كما سيخسر "شيمان" Chimène التي لن يظلّ أهلا لها بعد أن فقد كرامته.
واذا قتل والد "شيمان" Chimène انقاذاً لكرامة والده، سوف يخسر "شيمان" Chimène أيضا التي لن تبقى على حبّه بعد أن قتل والدها.
وهنا، وحيدا على المسرح، يتّخذ "دون رودريغ" Don Rodrigue القرار بإنقاذ كرامته وكرامة عائلته، ما دام في الحالين سوف يخسر حبّ "شيمان" Chimène فيقول :
" Allons, mon bras, sauvons du moins l’honneur,
Puisqu’après tout il faut perdre Chimène"
•••
وفي المسرحيّة الغنائيّة اللبنانيّة "جبال الصوّان" (1969) للأخوين عاصي ومنصور الرحباني، تقف بطلة المسرحيّة، "غربة"، وحيدة على المسرح، مستعدّة للمواجهة الأخيرة مع قاتل أبيها ومحتل أرضها "فاتك المتسلّط"، لتعلن بصوت فيروزي فعل ايمان كل مقاوم مخلص وشريف لقضيّته حتى الشهادة:
"أنا غربة،
بنت مدلج،
مطرح ما وقف بييّ،
بوقف على البوّابة،
حتى أوفي الندر"
•••
وفي المسرحية الانكليزية "مأساة هاملت، أمير الدانمارك" The tragedy of Hamlet, Prince of Denmark(1601) لمؤلفها وليم شكسبير Shakespeare William(1564- 1616) يقف بطل المسرحية، الأمير"هاملت"، وحيداً على المسرح متسائلاً عن عبثيّة الحياة وحتميّة الموت، بعد ان تراءى له طيف والده ملك الدانمارك الذي اغتيل ليخبره أن قاتله هو شقيقه الذي تسلّم العرش من بعده وتزوّج امرأته، وليطلعه على كيفية تنفيذ عملية اغتياله.
وهنا، وحيدا على المسرح، يطلق "هاملت" صرخته الشهيرة التي تخفي أقصى مشاعر التردد والحيرة:
"ان نكون أو لا نكون، تلك هي المسألة"
To be, or not to be, that is the question".
•••
ان سعد الحريري يقف اليوم وحيدا على المسرح.
• Omertà: الـ"أومرتا" هي سلوك شعبي وقانون شرف شائع في مناطق جنوب ايطاليا، وتعني المنع القاطع، عند حصول جريمة ما، عن التعاون مع السلطات المولجة بالتحقيق وذلك بالامتناع عن افشاء اي معلومات حتى في الحالة التي يكون فيها الشخص المعني هو الضحية. وفي ثقافة "المافيا" ان الاخلال بأحكام الـ"أومرتا" يعرّض المخلّ لعقوبة الموت. وتعرف الـ"أومرتا" عموماً بـ"قانون الصمت" أو "مؤامرة الصمت".
الى جميع الذين اغتيل آباؤهم...
أصبح من الثابت، بالاستدلال المنطقي، أنّ القرار الاتهامي المتوقّع صدوره عن المحقّق الدولي سوف يتّهم مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، حزب الله، أو أفراداً من حزب الله – ربّما بعنوان "عناصر غير منضبطة" ! - بالضلوع في جريمة اغتيال رفيق الحريري وفي الجرائم ذات الصلة التي تدخل ضمن صلاحيّة المحكمة الخاصة للبنان ذات الطابع الدولي، كما أنّه سيكون لسوريا، كنظام، حصّتها من هذا الاتهام، وستنال ايران الجمهوريّة الإسلاميّة حصتها أيضاً.
كذلك أصبح من الثابت، بالاستدلال المنطقي أيضاً، أنّ القمة الثلاثية التي جمعت في بيروت بين العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشّار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان، والتي تلتها مباشرة زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لبنان، انّما كانت تهدف الى الطلب من سعد الحريري الاحجام عن تأييد المحكمة الدولية وقراراتها.
فإزاء حجم اللعبة الدولية التي تدور رحاها حاليّا على الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط حيث تتقاطع المصالح الأميركية المرتبطة بمنابع النفط مع الطموحات الإسرائيلية الى انشاء شرق أوسط جديد على قياس الدولة الصهيونية، وتتشابك مع المخططات الإيرانية الهادفة إلى الاعتراف بايران قوة كبرى في منطقة الشرق الأوسط والقبول بها عضواً في نادي الدول النووية، إضافة الى المحاولات التركية للتوفيق بين الإنجذاب نحو الغرب والتوجه الطبيعي نحو الشرق عبر بعث أحلام السلطنة العثمانيّة، والكلّ على خلفية الصراع العربي – الإسرائيلي المتأصّل في التاريخ وفي الجغرافيا.
وازاء مستجدّات عدم الاعتراف بالمحكمة الدوليّة، واعتماد منطق، امّا المحكمة واما الاستقرار، مع ما قد يثير ذلك من خضّات عنيفة وردود فعل غير محسوبة... أو محسوبة!
كان لا بد من الاستنجاد بشعارات الحكمة والتروي والتأني، خصوصاً وأنّ خيالات 7 أيار لا تزال ماثلة في الأذهان، كما أنّ ذرائع 5 أيار لا تزال جاهزة في خبايا الأدراج !
فالمطلوب هو السكوت.
المطلوب ان يسكت الابن عن اغتيال أبيه.
المطلوب ان تسكت الأم عن اغتيال ابنها، والأخت عن اغتيال أخيها.
المطلوب هو ان تختار بين ان تتكلم كريماً أو ان تسكت ذليلاً، كي تسلم، من دون أن يغرب عن بالك أنك قد تسكت ذليلا ولن تسلم !
المطلوب هو الصمت.
المطلوب هو أن تسود الـ omertà، أن يسود قانون الصمت.
المطلوب هو أن يعمّ الصمت فوق كل الروؤس كي "لا يعلو صوت فوق صوت المعركة "، الصوت الذي أسكت جميع الأصوات ليبقى هو الصوت الوحيد الذي يتناغم مع نعيق صوت العدو تواطؤاً لاخماد كل نسمة حرية في فكر الإنسان العربي.
وعندها، من يجرؤ على الكلام بعد ؟ من ينشر هذا المقال بعد ؟
•••
في المسرحية الفرنسية الكلاسيكية "السيّد" Le Cid (1637) للكاتب المسرحي بيار كورناي Pierre Corneille (1684- 1606) يقف بطل المسرحية "دون رودريغ" Don Rodrigue وحيداً على المسرح، بعد اهانة والد حبيبته "شيمان" Chimène والده، ليوازن بين فضائل الحب والكرامة والبحث عن السعادة.
فاذا امتنع عن الانتقام لكرامة والده الطاعن في السن حبّا بـ"شيمان" Chimène، سوف يخسر كرامته، كما سيخسر "شيمان" Chimène التي لن يظلّ أهلا لها بعد أن فقد كرامته.
واذا قتل والد "شيمان" Chimène انقاذاً لكرامة والده، سوف يخسر "شيمان" Chimène أيضا التي لن تبقى على حبّه بعد أن قتل والدها.
وهنا، وحيدا على المسرح، يتّخذ "دون رودريغ" Don Rodrigue القرار بإنقاذ كرامته وكرامة عائلته، ما دام في الحالين سوف يخسر حبّ "شيمان" Chimène فيقول :
" Allons, mon bras, sauvons du moins l’honneur,
Puisqu’après tout il faut perdre Chimène"
•••
وفي المسرحيّة الغنائيّة اللبنانيّة "جبال الصوّان" (1969) للأخوين عاصي ومنصور الرحباني، تقف بطلة المسرحيّة، "غربة"، وحيدة على المسرح، مستعدّة للمواجهة الأخيرة مع قاتل أبيها ومحتل أرضها "فاتك المتسلّط"، لتعلن بصوت فيروزي فعل ايمان كل مقاوم مخلص وشريف لقضيّته حتى الشهادة:
"أنا غربة،
بنت مدلج،
مطرح ما وقف بييّ،
بوقف على البوّابة،
حتى أوفي الندر"
•••
وفي المسرحية الانكليزية "مأساة هاملت، أمير الدانمارك" The tragedy of Hamlet, Prince of Denmark(1601) لمؤلفها وليم شكسبير Shakespeare William(1564- 1616) يقف بطل المسرحية، الأمير"هاملت"، وحيداً على المسرح متسائلاً عن عبثيّة الحياة وحتميّة الموت، بعد ان تراءى له طيف والده ملك الدانمارك الذي اغتيل ليخبره أن قاتله هو شقيقه الذي تسلّم العرش من بعده وتزوّج امرأته، وليطلعه على كيفية تنفيذ عملية اغتياله.
وهنا، وحيدا على المسرح، يطلق "هاملت" صرخته الشهيرة التي تخفي أقصى مشاعر التردد والحيرة:
"ان نكون أو لا نكون، تلك هي المسألة"
To be, or not to be, that is the question".
•••
ان سعد الحريري يقف اليوم وحيدا على المسرح.
• Omertà: الـ"أومرتا" هي سلوك شعبي وقانون شرف شائع في مناطق جنوب ايطاليا، وتعني المنع القاطع، عند حصول جريمة ما، عن التعاون مع السلطات المولجة بالتحقيق وذلك بالامتناع عن افشاء اي معلومات حتى في الحالة التي يكون فيها الشخص المعني هو الضحية. وفي ثقافة "المافيا" ان الاخلال بأحكام الـ"أومرتا" يعرّض المخلّ لعقوبة الموت. وتعرف الـ"أومرتا" عموماً بـ"قانون الصمت" أو "مؤامرة الصمت".