جوجل بليكس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهلا وسهلا بــك في منتدى جوجل بليكس قدومكم إلينا ووجودكم معنا زادنا فرحاً وسروراً ولأجلكم نفرش الأرض زهور أهلا بك وردا ندية تنضم لورود جوجل بليكس ونتمنى ان نرى منكِ كل تميز فأحللت أهلاا وطئت سهلاا

    قراءة في العلاقات العربية – العربية العرب.. عواصف السياسة وغياب التخطيط

    avatar
    حنان


    عدد المساهمات : 145
    تاريخ التسجيل : 13/10/2010

    google px 4 قراءة في العلاقات العربية – العربية العرب.. عواصف السياسة وغياب التخطيط

    مُساهمة من طرف حنان الجمعة نوفمبر 26, 2010 5:29 am

    قراءة في العلاقات العربية – العربية
    العرب.. عواصف السياسة وغياب التخطيط وانعدام الاستقرار السياسي


    د. يوسف مكي

    بدأت الخطوة العملية في تأسيس الجامعة عندما تبنى مصطفى النحاس باشا، زعيم حزب الوفد ورئيس وزراء مصر، وجميل مردم بيك رئيس الوزراء السوري، وبشارة الخوري، أول رئيس لجمهورية لبنان فكرة تأسيس جامعة الدول العربية. وبعد أن ضمنوا التأييد السياسي من الحكومة البريطانية، عرضوا الفكرة على الملوك والرؤساء العرب الذين استحسنوها وأيدوها.

    وإثر اقتراب الحلفاء من تحقيق النصر في الحرب الكونية الثانية، على دول المحور، تهيأت الأجواء لعقد مؤتمر إقليمي في الإسكندرية لدراسة تأسيس هذه المنظمة. وخلال اجتماعات المؤتمر اتضح تباين وجهات النظر بين المجتمعين. فقد كان السوريون متحمسين لتأسيس دولة تضم عددا من الأقطار العربية، من ضمنها سورية ولبنان والأردن وفلسطين تدعى بسورية الكبرى، بينما كان هناك اتجاه آخر، يطالب بتحقيق وحدة الهلال الخصيب، وكان الاتجاه الغالب قد فضل أن يمارس العمل العربي المشترك من خلال تأسيس جامعة الدول العربية باعتبارها حاضنة للتنسيق وتحقيق التعاون والعمل المشترك بين الأقطار المنضوية دون أن تفقد أي منها سيادتها واستقلالها.

    انطلاقا من التصور الغالب، نص بروتوكول الإسكندرية الذي جرى توقيعه في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1945 على إنشاء جامعة للدول العربية، وأن تعتمد قراراتها على قاعدة الإجماع في التصويت، وفي حالة تعذر ذلك، تكون تلك القرارات ملزمة لمن يقبلها. كما نص البروتوكول على عدم جواز اللجوء للقوة لفض المنازعات التي قد تنشأ بين عضوين أو أكثر من أعضاء الجامعة. وأعطى المجلس الحق لأعضاء الجامعة وأمانتها العامة في التوسط في أي خلاف أو حرب تقع بين الدول الأعضاء أو بينها وبين أي دولة أخرى خارج الجامعة، وألحق بالبروتوكول ملحقان أحدهما قرار خاص باستقلال لبنان وسيادته بحدوده القائمة، والآخر نص على تأييد الحق العربي في فلسطين، وعلى ضرورة مساهمة الحكومات والشعوب العربية في صندوق عربي لإنقاذ الأراضي الفلسطينية.

    وفي 22 آذار (مارس) عام 1945، أعلن رسميا عن تشكيل جامعة الدول العربية، التي نص ميثاقها على أنها منظمة عربية ودولية، استنادا إلى الميثاق الذي وقعه سبعة من الملوك والرؤساء العرب في القاهرة. واقتصر توقيع البروتوكول على الدول العربية المستقلة، باعتبارها حكومات مؤسسة لهذه المنظمة، هي مصر، والسعودية، والعراق، وسورية، ولبنان، واليمن، والأردن. وقد انضمت إلى الجامعة بقية الأقطار الأخرى بعد أن تمكنت من إنجاز استقلالها السياسي.

    اللافت للنظر، أن أعرافا غير مكتوبة سادت العلاقات العربية - العربية، بعضها أعراف تخص هيكلية وطريقة عمل جامعة الدول العربية. فمع أنه لا يوجد نص رسمي بالميثاق أو اللوائح التابعة للجامعة يشير إلى أن أمينها العام ينبغي أن يكون مصريا، وأن مقرها الدائم هو القاهرة، إلا أن مصر ظلت على الدوام تحتفظ بمنصب الأمين العام لها، منذ العهد الملكي حتى يومنا هذا. الفترة الوحيدة التي جرى فيها تعيين أمين عام من خارج مصر كانت خلال فترة القطيعة العربية مع نظام الرئيس أنور السادات إثر توقيعه معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، حيث عين للأمانة العامة الشاذلي القليبي، من تونس، التي أصبحت مقرا مؤقتا للجامعة.

    العرف الآخر، هو الإقرار بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة كل قطر من قبل الأقطار العربية الأخرى. لكن في كل الأحوال، كانت هناك استثناءات وخروقات، سواء لما جرى الاتفاق عليه بموجب الميثاق، أو ما تم التوافق عليه عرفا. فقد كانت الجامعة في حقيقتها انعكاساً موضوعياً لواقع النظام العربي، وكانت الخلافات بين قطرين عربيين رئيسيين كافية، لأن تشل الجامعة وتعطل حركتها.

    والخروقات والأزمات كبيرة وكثيرة يستعصى إحصاؤها، وكانت العلاقات الحميمة موسمية، سرعان ما تنهار إثر تعرضها للرياح.. ومن سوء الطالع، أن الرياح التي واجهتها الأمة، ولا تزال كثيرة، وكانت الأحداث تأخذ مكانها بسرعة مذهلة. ومع كل حدث كان هناك موقف عربي رسمي وشعبي مؤيد أو مناوئ، وكان الحدث الواحد بمفرده يشكل محطة رئيسة في تقرير مصير العلاقات السياسية والاقتصادية بين هذا النظام أو ذاك، والمحطات كثر!

    وعند كل محطة تنشأ علاقة حميمة جديدة بين أقطار عربية وتنهار أخرى، وكانت التحالفات تقوم وتسقط بين ليلة وضحاها. ففي الخمسينيات، كانت الحرب الباردة تمزق العلاقات بين الدول العربية وتقسمها يمينا وشمالا. فذلك النظام تابع لحلف بغداد، والآخر مناوئ له ويشن حربا لا هوادة فيها عليه. وكان هناك صراع "تقدم" و"محافظ"، وكل يغني على ليلاه!!

    لقد انهمك النظام العربي الرسمي في صراعاته، بينما كان كيان إسرائيل يتقدم، ويستكمل بنيانه بالتمدد والتوسع السكاني والمكاني، ولم تتمكن الهياكل والمؤسسات العربية المشتركة أن تتقدم خطوة واحدة على طريق تحقيق الأماني والآمال المشروعة للشعب العربي، أين نقاط الضعف؟ وكيف يمكن تجاوزها؟

    الواقع أن هناك معطيات ذاتية وموضوعية حكمت مسيرة العلاقات العربية - العربية، وللأسف، لم تلق تلك المعوقات الاهتمام اللازم من قبل القيادات، أو المفكرين والمثقفين، أولى هذه المعطيات أن الأقطار العربية، بحكم نشأتها وتطورها التاريخي، ليست متجانسة من حيث إمكاناتها وثقلها الاقتصادي والسكاني والعمراني والثقافي. فقد كان لبعض البلدان دور ريادي في صناعة الحضارة الإنسانية منذ فجر التاريخ، وقد استمر هذا الدور في حقب متعددة، وحلقات ممتدة. ترك ذلك بصماته واضحة على المستوى الثقافي والحضاري والتنموي في تلك البلدان، وبالتالي على طبيعة أدائها السياسي. وساعد على ذلك أن الأقطار التي اعتبرت مراكز رئيسة للنهضة، تمكنت في وقت أبكر من ذلك الذي أنجزته شقيقاتها، من نيل استقلالها السياسي، وحظيت باعتراف الأسرة الدولية بها كبلدان مستقلة.

    حين هبت الطفرة النفطية، منذ منتصف السبعينيات، وتمكنت الكيانات الصغيرة في حجمها وكثافتها البشرية، التي لم تلعب دورا يذكر في مسيرة اليقظة العربية الحديثة، من تحسين واقعها الاقتصادي واستكمال بنيتها التحتية، بما جعل المفاضلة، عند المواطن العربي، تميل لصالحها، خاصة بعد أن تكشف الدور المعادي للحرية والديمقراطية الذي مارسته الأنظمة الشمولية تحت شعار حماية الوطن والدفاع عن الثورة.

    كما ترك التفاوت الزمني في الحصول على الاستقلال آثاره السلبية على التنسيق والتكامل العربي، فقد جرى تشكيل مؤسسات وهياكل الدولة العربية على أسس محلية، ودون تصور استراتيجي بعيد المدى، يأخذ في الحسبان حقيقة ارتباط هذه البلدان بالأمة. وقد لعبت التركيبة البطركية للمجتمع العربي دورا أساسيا في تغييب إمكانية تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي، حتى بين الأقطار التي استقلت مبكرا. فقد تصرفت حكوماتها، بحسبانها طليعة في النظام العربي الرسمي، بينما هي في حقيقتها، أسيرة لاتفاقيات ومعاهدات تحد من قدرتها على الحركة والفعل، وتفتقر ماديا وموضوعيا إلى مؤهلات القيادة. وهكذا، وفي ظل تعدد المراكز، تحقق باستثناءات نادرة، غياب حقيقي لمركز قيادي فاعل، وأصبح النظام العربي تائها في لجة الأحداث التي تسارعت في المنطقة، جعلت من المستعصي على الأنظمة العربية أن تصيغ أي برنامج متماسك ينظم العلاقات فيما بينها.

    والمؤكد أن استعار الحرب الباردة، والمحاولات المحمومة لاستقطاب أكبر عدد من المؤيدين والحلفاء، وجعل منطقتنا ساحة لصراع عقائدي وسياسي واستراتيجي فيما بين القوى العظمى قد ساعد على تمزيق اللحمة بين الأقطار العربية، وتأجيج الخلافات بين حكوماتها، حين انقسمت الحكومات العربية في ولاءاتها، باتجاه هذا الفريق أو ذاك.

    وحين تحقق الاستقلال للأقطار العربية، تكشفت حقائق أخرى مريعة, فحدودها السياسية التي رسمها المحتل قبل رحيله، أضحت قنابل موقوتة. لقد صممت هذه الحدود لأغراض خاصة، وبحصص جرى التعاقد عليها بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، دونما اعتبار لمصالح أو خيارات شعوب المنطقة. كانت هناك مناطق ومدن تخص أقطارا تم اقتطاعها منها وأضيفت إلى أقطار أخرى، لتكون إسفينا يحول دون تحقيق الوئام والاستقرار بين هذه الأقطار. ويمكن في هذا السياق أن نشير إلى مدينة الموصل التي اقتطعت من سورية وأضيفت إلى العراق، ومنطقة البوكمال العراقية التي ضمت للأراضي السورية. وكانت هناك مناطق محايدة بقيت إلى حين خارج القسمة، ومناطق أخرى اعتبرت في عداد المتنازع عليها، كحلايب بين السودان ومصر. وقد غدت حالات التشابك والتعقد في الحدود بين الأقطار العربية ظاهرة بارزة في البلدان العربية بأسرها، وغيابها هو الاستثناء.

    وكما تستمد العلاقات بين الحكومات وشعوبها في منطقتنا مشروعيتها من بنيات قبلية وعشائرية، تغيب فيها دولة المؤسسات، وتنعدم فيها الهياكل الاجتماعية الحديثة، وتصدر القرارات انطلاقا من هذه البنية، فإن العلاقات العربية - العربية هي الأخرى محكومة بهذا النمط من العلاقات. لقد كانت العلاقات، تقوى وتتعزز بين قطر عربي وآخر بفعل تعزز أواصر الصداقة أو القربى بين زعيم وآخر. وسرعان ما تنهار عند أية انتكاسة تنشأ في علاقة الحكام مع بعضهم بعضا.

    وليس من الصعب على المتتبع للسياسات العربية، أن يدرك حجم الكوارث التي عاناها المواطن العربي، العادي جدا، نتيجة لانهيار العلاقات الخاصة بين الحكام. لقد نتج عنها قطع علاقات سياسية واقتصادية، وحظر المبادلات التجارية والثقافية، ومنع سفر المواطنين إلى هذا القطر أو ذاك، وطرد عشرات الألوف من مواطني هذه الأقطار، وأحيانا وصلت الخلافات بين الحكام حد القطيعة التامة والمواجهة المسلحة.. والأمثلة في هذا السياق كثيرة.

    كان موقف تضامني أو حتى حيادي لأحد الأنظمة العربية تجاه صراع بين نظام عربي وآخر كفيلا بمفرده بنقل الصراع ليشمل ذلك النظام، فيترتب على العلاقة معه من العقوبات والقطيعة، ما يترتب على الأطراف المعنية بالصراع مباشرة. ففي حرب الخليج الثانية، انقسم الوطن العربي بشكل حاد إلى حكومات مساندة وحكومات ضد، وتعامل الكل مع تلك الخلافات بعقلية داحس والغبراء، واستمر العداء بين الفرقاء بقسوة حتى وقت متأخر، دون أن يتنازل أحد من أطراف الخلاف بالصفح والتسامح. وللأسف فإن الحالات التي تم فيها ترميم الجسور، وعودة العلاقات بين الحكومات إلى مجاريها، قد حدثت بفعل ضغوطات خارجية، قادتها في الغالب الولايات المتحدة. لقد سالت على المنطقة العربية مياه كثيرة، لكنها لم تتمكن من غسل ما في النفوس حتى يومنا هذا.

    لا بد من مراجعة شاملة للنظام العربي الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، ومن ضمن ذلك ميثاق ولوائح وهياكل جامعة الدول العربية ذاتها. لا يعقل أبدا أن تستمر هياكل وأنظمة صيغت قبل أكثر من نصف قرن، وفي سيادة نظام عالمي آخر، وتجاوزها الزمن بفعل التطور التاريخي، وتغير الخرائط السياسية وموازين القوى أن تستمر دونما تغيير أو تطوير.

    إن جملة من التغييرات الجوهرية مطلوب إحداثها بشكل ملح في علاقات العرب مع بعضهم، لضمان إقامة علاقة مستديمة، قادرة على الصمود، وغير خاضعة للتقلبات السياسية المحلية ولا للهوى. علاقة تأخذ في الحسبان التعادل والتكافؤ والتبادلية والمصالح المشتركة لشعوب هذه المنطقة، ويمكن أن نستفيد من تجربة الوحدة الأوروبية كمثال رائد على فصل المصالح المشتركة عن الخلافات السياسية بين الدول المنضوية في هذا الاتحاد. لقد تمكن قادة الاتحاد من صناعة اتحادهم، رغم اختلافات جوهرية في سياساتهم الخارجية، ومثال ذلك، الصراع الذي حدث بين ألمانيا وفرنسا وبلجيكا من جهة وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا من جهة أخرى تجاه الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، الذي بلغ حد التهديد باستخدام الفيتو من قبل الفرنسيين لمنع صدور قرار من مجلس الأمن يجيز استخدام القوة العسكرية في حق العراق.

    ويقينا إن تحقيق الإصلاح السياسي، هو أولى الخطوات على هذا الطريق, بمعنى، أن يتأسس النظام العربي من الداخل، حيث يعاد النظر في الهياكل والسياسات لكل نظام على حدة، وأن ينتقل المجتمع العربي من نظام تقليدي إلى نظام متجانس مع روح العصر وقوانين التطور.

    ومن البديهي القول إن أية رؤية عربية جديدة، يجب أن تنطلق من الاعتراف بالواقع القائم، لا بتجاوزه، والعمل من خلاله لتحسين صورة المستقبل. هذا الواقع يؤكد أن الكيانات القطرية أصبحت أمرا واقعا لا يمكن التنكر له، فقد ترسخ لأكثر من نصف قرن وأصبحت له ركائزه الثقافية والفكرية والنفسية. ولهذا فإن العمل العربي، في بنيته الرسمية، إذا ما أريد له أن يتجه إلى الأعلى، فإنه لا بد أن يضع في الحسبان ما تجذر في النفوس من اعتبارات وطنية محلية، معمما ثقافة جديدة وواسعة خلاصتها أن العمل العربي المشترك، ليس تعارضا مع الولاء والإخلاص للتراب والانتماء الوطني، بل إنقاذ وترسيخ لهما، حيث يضع الجزء في مكانه الصحيح من الكل، وحيث يستطيع القطر العربي الواحد أن يكون فاعلا ومؤثرا ضمن أقطار عربية فاعلة ومؤثرة. ودون ذلك تبقى جميع الأجزاء العربية مريضة ومشلولة، وتستمر الأزمة، وتبقى محاولات الخروج من مأزق التخلف الراهن عبثا لا طائل من ورائها.

    إن خيار التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي العربي هو السبيل لنكون جزءا فاعلا في عالم فوار يتحرك من حولنا بسرعة، وفي وضع دولي يتجه بثبات نحو العولمة وصناعة تكتلات سياسية واقتصادية كبرى. وهو سبيلنا لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمن والوجود. وليس مقبولا أبدا أن تتجه البلدان العربية لعضوية منظمات دولية، وتغلبها على علاقاتها العربية وأمنها المشترك. وإذا كان علينا أن نلتحق بالمنظمات الكونية، كمنظمة التجارة الدولية، فمن البديهي قبل الإيفاء بالشروط والمتطلبات التي نؤديها ثمنا لعضوية هذه المنظمات، أن يجري التنسيق والتخطيط بين العرب أنفسهم أولا، وقبل أن يلتحقوا بمنظومات الكوكبة، دون إلغاء لأحد أو مصادرة لحق أو لمصالح وطنية لأي من الأقطار. إن المطلوب هو التسامي فوق المصالح الفردية والأنانية، والعمل على ما يعزز ويقوي جميع الأجزاء.

    وفي هذا السياق، ينبغي التذكير أن مطالب التجديد العربية قد جرى تجاهلها أو الالتفاف عليها، أو أن بعضها جرى تبنيه في صورة منفصلة، فجاءت النتائج مشوهة ومتقطعة. وكان جزءا من عجز حركات التجديد العربية، أن مطالبها ذاتها كانت أحادية ومرتبكة. فمرة تغلب مطلب الحرية على العدل، وأحيانا يتم تجاوز المطلب الأول، ويحل الأخير محله، في متقابلات تضع عناصر النهضة في مواجهة بعضها بعضا. ومن غير شك، إن الضبابية في الرؤية وعدم القدرة على الربط بين الأهداف، وتغليب بعض الأولويات على حساب أولويات أخرى لا تقل أهمية، قد ألحق ضررا كبيرا بمشروع التكامل العربي، مؤديا إلى تعثره وعجزه وتراجعه. إن صياغة مشروعات المستقبل العربية، ومن ضمنها العلاقات بين العرب أنفسهم ينبغي أن تركز على مختلف الأهداف التي تمكن من تجاوز أخطاء التعاقب والانفصال، وأن تؤكد أهمية التلازم والتلاحم بين مختلف التطلعات والأهداف والمبادئ.

    ولا شك أن اختلاف السياسات وتباين الأولويات بين البلدان العربية، قد عكس نفسه، في تعميق شقة الخلافات وإثارة النعرات. ونقطة البداية في تشكيل رؤية جديدة للعلاقات العربية ـ العربية، هي التركيز على ما ينفع الناس، فذلك وحده الذي" يمكث في الأرض"، بجعل المدخل الاقتصادي الموضوع الرئيس في تنشيط العمل العربي المشترك وصولا إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية، بما يضفي الطابع العلمي على هذه الرؤية.

    إن فقدان التنسيق العربي في مجال الاقتصاد، وغياب التخطيط، وانعدام الاستقرار السياسي كانت ولا تزال من الأسباب الرئيسة للأزمة الحادة التي تمر بها منطقتنا. وقد خلقت هذه الأسباب أزمة شرعية لمعظم الأنظمة العربية، كون الأمور في الغالب تسير بقوة الأمر الواقع, ومن هنا تأتي أهمية الاتفاق على ميثاق قومي يضمن الحدود الأساسية لحقوق الإنسان العربي، بما في ذلك حقه في المشاركة السياسية وصنع القرار، والاضطلاع بدوره في حماية أمن البلاد وثوابت الأمة ومقدساتها. ودون ذلك لن يتحقق لهذه الأمة أي تقدم، إذ لا يمكن أن تسود علاقات عربية صحيحة وراسخة بين قيادات تهيمن على أجساد وأبنية مريضة وهشة.

    وينبغي الاعتراف بأن الاختناقات التي مر بها الفكر والعمل العربي قد منحت الفرصة لهبوب عواصف من الغضب، تتحين الفرصة في كثير من المواقع بالأقطار العربية لتنقض على الأخضر واليابس، وأن الطريق الصحيح لتجاوز حالة السخط والغضب ليس احتواءها والتحايل عليها، بل نقل المجتمع العربي بأسره إلى حال آخر، وبناؤه على أسس تعاقدية ودستورية، بما تحمله هذه الكلمات من مضامين.

    إن العلاقات العربية - العربية ينبغي أن تنتقل من الطبيعة الموسمية، إلى علاقات مبدئية وراسخة تبني على ما تحقق وتضيف إليه، لا أن تنتقص منه عند أي منعطف وصراع. وعلى هذا الأساس، فإن من حق الشعوب العربية أن تطلب إلى قياداتها ضمان ألا تتأثر مصالح الناس بالخلافات السياسية التي تجري فيما بينها، التي ليس لها علاقة في الغالب بقضايا جوهرية، بل بتراكمات فردية وتصفية لحسابات شخصية. لا ينبغي أن تبقى مصالح الناس ومنافعهم رهينة لخلافات سياسية موسمية، بين القادة.. إن ذلك سيعيدنا في كل مرة إلى المربع الأول، ذلك أن الخلافات بين البشر هي من نواميس الطبيعة وقوانين الكون. وليس من المتصور أبدا أن تجري العلاقة بين الأقطار العربية والقادة العرب دون أن تعترضها مطبات وأزمات وحواجز. حين نمتلك الوعي بذلك، ويجري التسليم به، عندها فقط نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح في بناء تكامل عربي شامل، صلب ومتين.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 1:24 am