لماذا يوجه معظم خريجي التعليم العام إلى تعليم جامعي نظري؟!
محمد بن عبد الله الشريف
لوحظ هذا العام اهتمام غير مسبوق من قبل وزارة التربية والتعليم بإعلان نتائج اختبارات الثانوية العامة في وقت قياسي، مع دقة في الرصد والتدقيق، ثم إعلان النتائج في مؤتمر صحافي للمسؤولين في الوزارة، مصحوباً بكلمة لسمو وزير التربية والتعليم بالمناسبة، هنأ فيها الطلبة والطالبات وأولياء أمورهم بالنتائج، وتمنى لهم التوفيق في المرحلة القادمة من حياتهم. وأرى أن الوزارة قد وفقت في هذا الإخراج المنظم لتحقق أهم أهدافها، وهو تخريج الطلبة من مرحلة التعليم العام، وتفويجهم إلى مراحل أخرى من التعليم والتدريب والحياة العملية، وبدت احتفالات الوزارة وكأنها إحدى ثمرات التنظيم والتطوير الجديد لها، التي ظل الناس ينتظرون نتائجها، إيماناً منهم بأن وزارة التربية والتعليم هي أهم وزارات الدولة، لعلاقتها ودورها المهم في تربية أبنائهم، وتشكيل مفاهيمهم وعقولهم وشخصياتهم، انطلاقاً من أن مرحلة التعليم العام هي المرحلة التي يتأسس عليها، ووفقاً لها، مستقبل الأمة!
وقد شارك في اختبارات الثانوية العامة لهذا العام (360) ألف طالب وطالبة، وبلغت نسبة النجاح بينهم 92 في المائة، ومن المتوقع أن يجتاز الباقون، أو معظمهم اختبارات الدور الثاني، أي أن عدد المتخرجين سيلامس ـ350 ألفا!. ووفقا للبيانات الصادرة من وزارة التعليم العالي والجامعات، فإن استيعاب القبول في الجامعات سيتسع لقرابة 300 ألف طالب وطالبة، أي أن معظم خريجي التعليم العام سيتجهون إلى التعليم العالي في الجامعات. ووفقاً لما أعلنته الجامعات فإن شروط القبول تتنوع من جامعة إلى أخرى، ومن تخصص إلى آخر، لكنها تتجه إلى الصعوبة والتعقيد في التخصصات العلمية، مثل الطب والهندسة والعلوم والحاسب والتقنية، إلى جانب شروط أخرى مثل المقابلات الشخصية التي تخضع إلى معايير قد لا يكون من بينها مستوى التحصيل العلمي.
وفي ضوء ذلك، فإن معظم الخريجين سيتجهون إلى الحقول النظرية في الجامعات التي كان ولا يزال خريجوها يمثلون عبئاً ثقيلاً على الوطن، في مجال إيجاد فرص العمل، والمشاركة في التنمية الاقتصادية والبشرية!
وفي هذه المناسبة ينبغي التأمل فيما يعنيه ذلك كله من منطلقات عدة، هي:
هل يجب أن يتجه الكل إلى الجامعات؟
كعرف وقاعدة متبعة في العالم، فإن خريجي التعليم العام يجب ألا يتجهوا إلى التعليم العالي كلهم، ولا تفسح أكثر الدول تقدماً طريق الجامعات لأكثر من نسبة 60 في المائة منهم، لكنها تفسح طرقاً أخرى للبقية للحصول على جرعات تدريب وتهيئة للعمل في المجالات والتخصصات التي يميلون إليها، وتؤهلهم قدراتهم الذهنية والتحصيلية لها، وفي ظل عدم وجود مثل هذه البرامج لدينا، على مستوى من التنظيم المؤسسي الحكومي والأهلي، بحيث تحتضن مثل هذه البرامج خريجي الثانوية لفترة من التدريب المكثف على طبيعة الأعمال، فإنه في ظل عدم وجود مثل هذه البرامج لدينا، على مستوى من التنظيم المؤسسي الحكومي والأهلي، بحيث تحتضن مثل هذه البرامج خريجي الثانوية لفترة من التدريب المكثف على طبيعة الأعمال، فإنه في ظل وضع كهذا نجد أن أصحاب الأعمال يرفضون خريج الثانوية العامة بحجة عدم تأهيله، ومن ثم يتزاحم معظم هؤلاء الخريجين على أبواب الجامعات رغبة في الحصول على مؤهل أعلى يدخلهم إلى أروقة أصحاب الأعمال!..
لماذا معظم التخصصات الجامعية نظرية؟.
في السابق، أقصد خلال عقدين مضيا، كان الطلبة لا يفرحون بالتخرج لقلة فرص الالتحاق بالجامعات، وصعوبة القبول فيها، وكانت الأسر تحمل هماً كلما تخرج عندها طالب أو طالبة، وكان بعض الطلبة يتحول إلى المدارس الأهلية في آخر سنتين، من الدراسة رغبة في الحصول على معدل أفضل، لعلمهم بمدى المرونة التي اخترعها أصحاب المدارس كطعم يجذب الطلبة إلى مدارسهم، لكن عندما وسّعها خادم الحرمين الشريفين على الناس، بإنشاء عديد من الجامعات، حتى في المحافظات، ولم يعد القبول يمثل مشكلة للطلبة وأسرهم، بدت عقبة أخرى تتمثل في اختيار التخصص الذي يرغبه الطالب، حيث يلاحظ التضييق الشديد على طالبي الدراسات العلمية، وتحويلهم قسراً إلى تخصصات نظرية لا يرغبونها، فيقتل ذلك جذوة الرغبة والطموح لدى كثير من الطلبة، وبدا الأمر وكأن مشكلة القبول لا تزال قائمة من حيث النوعية والتخصص، فالملاحظ أن التخصصات العلمية لا تكاد تستوعب إلا نسبة ضئيلة من طالبي القبول، لأن الدراسات النظرية تطغى على التعليم الجامعي بنسبة لا تقل عن 85 في المائة منه، كما تشير الإحصاءات!..
لا بد من توسيع الأقسام العلمية.
إذا كان كل الطلبة، أو جلهم، سيكونون جامعيين، وأن الجامعي ما إن يتسلم عملا في أي منشأة، إلا ويتطلع إلى أن يكون مشرفاً أو مديراً، فمن يقوم بالأعمال التنفيذية؟! وهل ستبقى وقفا على الوافدين؟! وإذا افترضنا أنه مع توسع الدولة في إنشاء المشاريع التقنية، كالمدن الاقتصادية، ومدن التقنية، والطاقة، وتبني منهج الحكومة الإلكترونية، وتقنية المعلومات، سيزداد الطلب على خريجي الأقسام الفنية والعلمية، لتشغيل هذه المشاريع وإدارتها، ومع قلة هؤلاء الخريجين بسبب أن معظم أبنائنا يتجهون، أو بالأحرى يوجهون، إلى دراسات نظرية يتحولون بعدها إلى عاطلين بشهادات، فإن الوضع سيكون أخطر مما يبدو حاليا، سيستمر اعتمادنا على غيرنا في إدارة تلك الصروح الاقتصادية وتشغيلها!...، وإذاً فلا بد من إيجاد مخارج للأزمة، أولها زيادة عدد المقبولين في الأقسام العلمية، ولو بإمكاناتها الحالية، فهي مع ذلك لن تكون أسوأ من مثيلاتها من الأقسام في جامعات بلدان أخرى ترسل لنا خريجيها، كالأطباء والمهندسين، ومساعديهم!..، أما المخرج الثاني فهو الإسراع في رفع إمكانات الأقسام العلمية والطبية في الجامعات، إلى جانب إنشاء أقسام جديدة فيها لاستيعاب نسبة أكبر من الخريجين، ويمكن استثمار الزيادة والوفورات في ميزانيات الجامعات لتحقيق ذلك، وأتمنى أن يكون هناك قرار أو توجيه بزيادة نسبة القبول في تلك الأقسام بما لا يقل عن 50 في المائة، وفي السنة القادمة على الأقل، كي نتمكن من الاستعداد لذلك.
استخدام المكافأة كحافز للدراسات العلمية.
إضافة إلى ما ذكرته آنفا حول رفع إمكانات الأقسام العلمية، فإنه يمكن استخدام مكافأة الطلبة للإسهام في ذلك، فالمعروف والمتفق عليه أن المكافأة استحدثت، أول ما استحدثت، قبل نحو 50 سنة، بُعيد إنشاء أول جامعة، وهي جامعة الملك سعود، لتشجيع الإقبال على الدراسات الجامعية، وليس لأسباب أخرى، وما دام هذا الإقبال أصبح يمثل مشكلة من حيث اتجاه معظم الطلبة إلى الأقسام النظرية، ربما من أجل الحصول على المكافأة بالنسبة للبعض، وهو أمر لا يسوغ استمراره، يضاف إلى ذلك أن الجامعات توافرت في كل المناطق والمحافظات، وهو ما ينفي أيضا حجية كون الغرض من المكافأة هو مساعدة الطلبة المغتربين، فإنه بالتالي يمكن توجيهها واستثمارها من أجل زيادة القبول في الأقسام العلمية، على ألا يضار أحد من ذلك، فالطالب الملتحق، يستمر في الحصول على المكافأة حتى يتخرج، أما الجديد فالذي يلتحق بالأقسام العلمية يحصل على المكافأة، أما غيره الذي يختار الدراسة النظرية فله ما يختاره، ولكن بدون مكافأة، ذلك أننا بمنح المكافأة للكل، والمساواة بينهم فيها، نسهم في تخريج طلبة لا يجدون عملا بعد التخرج، وكأننا بذلك نجني عليهم، ولا يسوغ، من ثم، أن يبقى الأمر دون تصحيح!..
ضعوا هذه الحقائق أمام أعينكم:
إنني آمل من كل من بيده أمر، أو يستطيع أن يوصل الأمر إلى أهله، أن يضع الحقائق الآتية أمام عينيه، ويتأملها وهو ينظر إلى المشكلة ويتخيل أبعادها على المستويين الاجتماعي والاقتصادي:
1- إن عدد الذين سيقبلون هذا العام في التعليم العالي يبلغ نحو 300 ألف، منهم نحو 260 ألفا سيتجهون إلى الدراسات النظرية، ويتخرجون بعد نحو خمس سنوات، ليجدوا أبواب العمل موصدة أمامهم، وينضموا إلى الأعداد المتراكمة من العاطلين!..
2- إن نسبة 44 في المائة من العاطلين، الذين يفوقون نصف مليون في الوقت الحاضر، هم الجامعيون، بيد أن النسبة تصل إلى 78 في المائة من الإناث الجامعيات، ويبدو الأمر مقلقا ومخيفا خاصة في المستقبل، مع تزايد أعداد الخريجين من الدراسات النظرية!..
3- إذا كان هذا هو الحال، فلماذا نسوق معظم الخريجين من الثانوية العامة إلى تعليم جامعي نظري، يضاعف من أعداد العاطلين، ولماذا لا نحدد نسبة من يقبلون في التعليم العالي بشرط إنشاء مراكز إعداد وتدريب للبقية، لا تزيد مدة التدريب فيها على سنة، يوجهون بعدها إلى الأعمال الفنية والتقنية في القطاعين العام والخاص، كي يحلوا محل العمالة الوافدة التي تسيطر على تلك الأعمال؟!...
والله من وراء القصد
محمد بن عبد الله الشريف
لوحظ هذا العام اهتمام غير مسبوق من قبل وزارة التربية والتعليم بإعلان نتائج اختبارات الثانوية العامة في وقت قياسي، مع دقة في الرصد والتدقيق، ثم إعلان النتائج في مؤتمر صحافي للمسؤولين في الوزارة، مصحوباً بكلمة لسمو وزير التربية والتعليم بالمناسبة، هنأ فيها الطلبة والطالبات وأولياء أمورهم بالنتائج، وتمنى لهم التوفيق في المرحلة القادمة من حياتهم. وأرى أن الوزارة قد وفقت في هذا الإخراج المنظم لتحقق أهم أهدافها، وهو تخريج الطلبة من مرحلة التعليم العام، وتفويجهم إلى مراحل أخرى من التعليم والتدريب والحياة العملية، وبدت احتفالات الوزارة وكأنها إحدى ثمرات التنظيم والتطوير الجديد لها، التي ظل الناس ينتظرون نتائجها، إيماناً منهم بأن وزارة التربية والتعليم هي أهم وزارات الدولة، لعلاقتها ودورها المهم في تربية أبنائهم، وتشكيل مفاهيمهم وعقولهم وشخصياتهم، انطلاقاً من أن مرحلة التعليم العام هي المرحلة التي يتأسس عليها، ووفقاً لها، مستقبل الأمة!
وقد شارك في اختبارات الثانوية العامة لهذا العام (360) ألف طالب وطالبة، وبلغت نسبة النجاح بينهم 92 في المائة، ومن المتوقع أن يجتاز الباقون، أو معظمهم اختبارات الدور الثاني، أي أن عدد المتخرجين سيلامس ـ350 ألفا!. ووفقا للبيانات الصادرة من وزارة التعليم العالي والجامعات، فإن استيعاب القبول في الجامعات سيتسع لقرابة 300 ألف طالب وطالبة، أي أن معظم خريجي التعليم العام سيتجهون إلى التعليم العالي في الجامعات. ووفقاً لما أعلنته الجامعات فإن شروط القبول تتنوع من جامعة إلى أخرى، ومن تخصص إلى آخر، لكنها تتجه إلى الصعوبة والتعقيد في التخصصات العلمية، مثل الطب والهندسة والعلوم والحاسب والتقنية، إلى جانب شروط أخرى مثل المقابلات الشخصية التي تخضع إلى معايير قد لا يكون من بينها مستوى التحصيل العلمي.
وفي ضوء ذلك، فإن معظم الخريجين سيتجهون إلى الحقول النظرية في الجامعات التي كان ولا يزال خريجوها يمثلون عبئاً ثقيلاً على الوطن، في مجال إيجاد فرص العمل، والمشاركة في التنمية الاقتصادية والبشرية!
وفي هذه المناسبة ينبغي التأمل فيما يعنيه ذلك كله من منطلقات عدة، هي:
هل يجب أن يتجه الكل إلى الجامعات؟
كعرف وقاعدة متبعة في العالم، فإن خريجي التعليم العام يجب ألا يتجهوا إلى التعليم العالي كلهم، ولا تفسح أكثر الدول تقدماً طريق الجامعات لأكثر من نسبة 60 في المائة منهم، لكنها تفسح طرقاً أخرى للبقية للحصول على جرعات تدريب وتهيئة للعمل في المجالات والتخصصات التي يميلون إليها، وتؤهلهم قدراتهم الذهنية والتحصيلية لها، وفي ظل عدم وجود مثل هذه البرامج لدينا، على مستوى من التنظيم المؤسسي الحكومي والأهلي، بحيث تحتضن مثل هذه البرامج خريجي الثانوية لفترة من التدريب المكثف على طبيعة الأعمال، فإنه في ظل عدم وجود مثل هذه البرامج لدينا، على مستوى من التنظيم المؤسسي الحكومي والأهلي، بحيث تحتضن مثل هذه البرامج خريجي الثانوية لفترة من التدريب المكثف على طبيعة الأعمال، فإنه في ظل وضع كهذا نجد أن أصحاب الأعمال يرفضون خريج الثانوية العامة بحجة عدم تأهيله، ومن ثم يتزاحم معظم هؤلاء الخريجين على أبواب الجامعات رغبة في الحصول على مؤهل أعلى يدخلهم إلى أروقة أصحاب الأعمال!..
لماذا معظم التخصصات الجامعية نظرية؟.
في السابق، أقصد خلال عقدين مضيا، كان الطلبة لا يفرحون بالتخرج لقلة فرص الالتحاق بالجامعات، وصعوبة القبول فيها، وكانت الأسر تحمل هماً كلما تخرج عندها طالب أو طالبة، وكان بعض الطلبة يتحول إلى المدارس الأهلية في آخر سنتين، من الدراسة رغبة في الحصول على معدل أفضل، لعلمهم بمدى المرونة التي اخترعها أصحاب المدارس كطعم يجذب الطلبة إلى مدارسهم، لكن عندما وسّعها خادم الحرمين الشريفين على الناس، بإنشاء عديد من الجامعات، حتى في المحافظات، ولم يعد القبول يمثل مشكلة للطلبة وأسرهم، بدت عقبة أخرى تتمثل في اختيار التخصص الذي يرغبه الطالب، حيث يلاحظ التضييق الشديد على طالبي الدراسات العلمية، وتحويلهم قسراً إلى تخصصات نظرية لا يرغبونها، فيقتل ذلك جذوة الرغبة والطموح لدى كثير من الطلبة، وبدا الأمر وكأن مشكلة القبول لا تزال قائمة من حيث النوعية والتخصص، فالملاحظ أن التخصصات العلمية لا تكاد تستوعب إلا نسبة ضئيلة من طالبي القبول، لأن الدراسات النظرية تطغى على التعليم الجامعي بنسبة لا تقل عن 85 في المائة منه، كما تشير الإحصاءات!..
لا بد من توسيع الأقسام العلمية.
إذا كان كل الطلبة، أو جلهم، سيكونون جامعيين، وأن الجامعي ما إن يتسلم عملا في أي منشأة، إلا ويتطلع إلى أن يكون مشرفاً أو مديراً، فمن يقوم بالأعمال التنفيذية؟! وهل ستبقى وقفا على الوافدين؟! وإذا افترضنا أنه مع توسع الدولة في إنشاء المشاريع التقنية، كالمدن الاقتصادية، ومدن التقنية، والطاقة، وتبني منهج الحكومة الإلكترونية، وتقنية المعلومات، سيزداد الطلب على خريجي الأقسام الفنية والعلمية، لتشغيل هذه المشاريع وإدارتها، ومع قلة هؤلاء الخريجين بسبب أن معظم أبنائنا يتجهون، أو بالأحرى يوجهون، إلى دراسات نظرية يتحولون بعدها إلى عاطلين بشهادات، فإن الوضع سيكون أخطر مما يبدو حاليا، سيستمر اعتمادنا على غيرنا في إدارة تلك الصروح الاقتصادية وتشغيلها!...، وإذاً فلا بد من إيجاد مخارج للأزمة، أولها زيادة عدد المقبولين في الأقسام العلمية، ولو بإمكاناتها الحالية، فهي مع ذلك لن تكون أسوأ من مثيلاتها من الأقسام في جامعات بلدان أخرى ترسل لنا خريجيها، كالأطباء والمهندسين، ومساعديهم!..، أما المخرج الثاني فهو الإسراع في رفع إمكانات الأقسام العلمية والطبية في الجامعات، إلى جانب إنشاء أقسام جديدة فيها لاستيعاب نسبة أكبر من الخريجين، ويمكن استثمار الزيادة والوفورات في ميزانيات الجامعات لتحقيق ذلك، وأتمنى أن يكون هناك قرار أو توجيه بزيادة نسبة القبول في تلك الأقسام بما لا يقل عن 50 في المائة، وفي السنة القادمة على الأقل، كي نتمكن من الاستعداد لذلك.
استخدام المكافأة كحافز للدراسات العلمية.
إضافة إلى ما ذكرته آنفا حول رفع إمكانات الأقسام العلمية، فإنه يمكن استخدام مكافأة الطلبة للإسهام في ذلك، فالمعروف والمتفق عليه أن المكافأة استحدثت، أول ما استحدثت، قبل نحو 50 سنة، بُعيد إنشاء أول جامعة، وهي جامعة الملك سعود، لتشجيع الإقبال على الدراسات الجامعية، وليس لأسباب أخرى، وما دام هذا الإقبال أصبح يمثل مشكلة من حيث اتجاه معظم الطلبة إلى الأقسام النظرية، ربما من أجل الحصول على المكافأة بالنسبة للبعض، وهو أمر لا يسوغ استمراره، يضاف إلى ذلك أن الجامعات توافرت في كل المناطق والمحافظات، وهو ما ينفي أيضا حجية كون الغرض من المكافأة هو مساعدة الطلبة المغتربين، فإنه بالتالي يمكن توجيهها واستثمارها من أجل زيادة القبول في الأقسام العلمية، على ألا يضار أحد من ذلك، فالطالب الملتحق، يستمر في الحصول على المكافأة حتى يتخرج، أما الجديد فالذي يلتحق بالأقسام العلمية يحصل على المكافأة، أما غيره الذي يختار الدراسة النظرية فله ما يختاره، ولكن بدون مكافأة، ذلك أننا بمنح المكافأة للكل، والمساواة بينهم فيها، نسهم في تخريج طلبة لا يجدون عملا بعد التخرج، وكأننا بذلك نجني عليهم، ولا يسوغ، من ثم، أن يبقى الأمر دون تصحيح!..
ضعوا هذه الحقائق أمام أعينكم:
إنني آمل من كل من بيده أمر، أو يستطيع أن يوصل الأمر إلى أهله، أن يضع الحقائق الآتية أمام عينيه، ويتأملها وهو ينظر إلى المشكلة ويتخيل أبعادها على المستويين الاجتماعي والاقتصادي:
1- إن عدد الذين سيقبلون هذا العام في التعليم العالي يبلغ نحو 300 ألف، منهم نحو 260 ألفا سيتجهون إلى الدراسات النظرية، ويتخرجون بعد نحو خمس سنوات، ليجدوا أبواب العمل موصدة أمامهم، وينضموا إلى الأعداد المتراكمة من العاطلين!..
2- إن نسبة 44 في المائة من العاطلين، الذين يفوقون نصف مليون في الوقت الحاضر، هم الجامعيون، بيد أن النسبة تصل إلى 78 في المائة من الإناث الجامعيات، ويبدو الأمر مقلقا ومخيفا خاصة في المستقبل، مع تزايد أعداد الخريجين من الدراسات النظرية!..
3- إذا كان هذا هو الحال، فلماذا نسوق معظم الخريجين من الثانوية العامة إلى تعليم جامعي نظري، يضاعف من أعداد العاطلين، ولماذا لا نحدد نسبة من يقبلون في التعليم العالي بشرط إنشاء مراكز إعداد وتدريب للبقية، لا تزيد مدة التدريب فيها على سنة، يوجهون بعدها إلى الأعمال الفنية والتقنية في القطاعين العام والخاص، كي يحلوا محل العمالة الوافدة التي تسيطر على تلك الأعمال؟!...
والله من وراء القصد