جوجل بليكس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهلا وسهلا بــك في منتدى جوجل بليكس قدومكم إلينا ووجودكم معنا زادنا فرحاً وسروراً ولأجلكم نفرش الأرض زهور أهلا بك وردا ندية تنضم لورود جوجل بليكس ونتمنى ان نرى منكِ كل تميز فأحللت أهلاا وطئت سهلاا

    الحديث المقلوب - تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه

    OmerAtef
    OmerAtef
    Admin


    ذكر عدد المساهمات : 291
    تاريخ التسجيل : 25/08/2010
    العمر : 29
    الموقع : www.googlepx.com

    Google px الحديث المقلوب - تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه

    مُساهمة من طرف OmerAtef الثلاثاء يناير 11, 2011 4:30 am


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحديث المقلوب - تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه
    د. محمد بن عمر بن سالم بازمول
    الأستاذ المشارك بقسم الكتاب والسنة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
    ملخص البحث
    الحديث المقلوب من أنواع علوم الحديث!
    وقد قام الباحث بدراسة موضوعية تعريفية، ناهجاً سبيل التحليل والعرض لبيان هذا النوع وإلقاء الضوء عليه، فبدأ بتعريف الحديث المقلوب مستعرضاً كلام أئمة المصطلح، واقفاً عند عباراتهم لاستبيان مرادهم رحمهم الله في التعريف، وقدّم في نهاية ذلك التعريف المختار
    ثم ثنّى ببيان فوائد معرفة الحديث المقلوب.
    وثلث ببيان حكم الحديث المقلوب، ومرتبته! وفصّل في ذلك بحسب صوره وأحواله.
    ثم بيّن الطريق التي يُعْرف بها القلب في الحديث.
    ثم أورد أمثلة للحديث المقلوب متناً.
    وذكر بعد ذلك الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب!

    وأخيراً ذكر المصنفات في الحديث المقلوب!
    وجاءت بعد ذلك الخاتمة والتي تتضمن أهم نتائج البحث.
    ومن هنا جاء عنوان البحث:
    "الحديث المقلوب تعريفه وفوائده وحكمه والمصنفات فيه"
    وقد تحرّى الباحث في بحثه أن يمدّه بما تجمّع لديه من نصوص للأئمة منثورة في ثنايا كتب التخريج والجرح والتعديل والشروح، فلم يقتصر البحث في مادته على ما جاء في كتب المصطلح!
    والباحث يرجو أن يسد ببحثه هذا فراغاً في المكتبة الحديثية حيث لا توجد حسب علمه دراسة مفردة لهذا النوع الحديثي مع أهميته!
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    أمّا بعد: فهذا كتاب قصدت فيه بيان الحديث المقلوب وما يتعلق به، وقد أسميته:
    الحديث المقلوب
    تعريفه وفوائده و حكمه و المصنفات فيه
    وقسمته على تمهيد وخمسة مقاصد وخاتمة، وتفصيل ذلك هو التالي:
    أمّا التمهيد: ففي دائرة الحديث المقلوب!
    أمّا المقصد الأول: ففي تعريف الحديث المقلوب
    أمّا المقصد الثاني: في فوائد معرفته.
    المقصد الثالث: حكم الحديث المقلوب!
    المقصد الرابع: كيف يعرف القلب في الحديث؟
    المقصد الخامس: أمثلة للحديث المقلوب متناً.
    المقصد السادس: الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب!
    المقصد السابع: المصنفات في الحديث المقلوب!
    أمّا الخاتمة: ففي أهم النتائج التي انتهت إليها الدراسة.
    أسأل الله تبارك تعالى أن يتقبله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقني فيه القبول في الدنيا والآخرة، وأن يتقبل جميع عملي خالصاً لوجهه الكريم، وداعياً إلى سنة نبيه الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم.
    تمهيد: دائرة الحديث المقلوب
    لم يقتصر دور قلب الحديث عند حدِّ استعماله وسيلة من وسائل الكشف عن حال الراوي في الضبط، ومعرفة مدى حفظه لمرويه؛ بل تعدّى ذلك إلى كونه وصفاً يوصف به الراوي لبيان نوع وهمه وخطئه، فهو بصفة عامة من الجرح المفسر غير المجمل، كما أصبح بالاستقراء علامة على نكارة حديث الراوي بدرجات متفاوتة قد تخف إلى درجة لا تخرج الراوي عن حيز القبول، وقد تزيد إلى درجة تخرج الراوي إلى حيز الرد، بل أحياناً إلى درجة الضعيف جداً الذي لا يقبل حديثه التقوي والانجبار بتعدد الطرق.
    وسيأتي ذكر الأئمة الذين كانوا يستعملون الوصف بالقلب في كلامهم عن الرجال أو في بيان حال الأحاديث، ومنها ما جاء عن شعبة (ت160ه) وحماد ابن سلمة (ت167ه)، وابن معين (ت233ه) رحمهم الله.
    بل يُعْرف قدر حفظ الراوي بأنه لم يُقْلب عليه إسناد!
    قال عمرو بن محمد الناقد (ت232ه): "ما كان في أصحابنا أعلم بالإسناد من يحي بن معين ما قدر أحد يقلب عليه إسناد قط"(1).
    وتتسع دائرة المقلوب فتتداخل مع أنواع حديثية عديدة يأتي فيها صورة الحديث المقلوب.
    ولمّا ذكر ابن حبان (ت354ه) رحمه الله أنواع جرح الضعفاء، ذكر النوع العاشر وقال: "ومنهم من كان يقلب الأخبار ويسوّي الأسانيد كخبر مشهور عن صالح يجعله عن نافع وآخر لمالك يجعله عن عبيدالله بن عمر ونحو هذا.
    كإسماعيل بن عبيدالله التيمي وموسى بن محمد البلقاوي وعمر بن راشد الساحلي، وذويهم وقد رأينا في عصرنا جماعة مثلهم يُسرون الأحاديث"اه(2).
    وقال الحاكم (ت405ه) رحمه الله، لمّا ذكر أنواع الجرح والمجروحين على عشرة طبقات: "الطبقة الثانية من المجروحين: قوم عمدوا إلى أحاديث مشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد معروفة ووضعوا إليها غير تلك الأسانيد فركبوها عليها ليستغرب بتلك الأسانيد منهم: إبراهيم بن اليسع وهو ابن أخي حية يُحدِّث عن جعفر بن محمد الصادق وهشام بن عروة، فيركب حديث هذا على حديث ذلك، وكذلك حمّاد بن عمرو النصيبي وبهلول بن عبيد وأصرم بن حوشب، وغيرهم"اه(3).
    وفي الصفحات القادمة سنتبين الحديث المقلوب وأقسامه وما يتعلق به!
    المقصد الأول: تعريف الحديث المقلوب
    وفيه مطلبان:
    المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب لغة
    المطلب الثاني: تعريف المقلوب اصطلاحاً.
    وإليك البيان:
    المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب لغة
    المقلوب لغة:

    المقلوب اسم مفعول من (قلب).

    ومادة "ق.ل.ب" لها في اللغة أصلان صحيحان:
    أحدهما يدل على خالص شيء وشريفة.
    والآخر يدل على رد شيء من جهة إلى جهة.
    والأصل الثاني هو المراد هنا. ومنه:
    القليب: البئر قبل أن تطوى، وإنما سمِّيت قليباً لأنها كالشيء يقلب من جهة إلى جهة، وكانت أرضاً فلمّا حفرت صار ترابها كأنه قلب فإذا طويت فهي الطَّوى ولفظ القليب مذكر. والحوّل القلب: الذي يقلب الأمور ويحتال لها(4).
    المطلب الثاني: تعريف المقلوب اصطلاحاً.

    المقلوب اصطلاحاً:

    المقصود هنا تعريف المقلوب في اصطلاح علماء الحديث، دون غيرهم(5).

    وسأستعرض هنا تعاريف أهل العلم للحديث المقلوب، مسجلاً عقب كل تعريف أورده ما لدي من ملاحظات عامة، خاتماً ذلك ببيان التعريف المختار.
    تعريف ابن الصلاح (ت643ه) رحمه الله:
    قال عليه من الله الرحمة والرضوان: "هو نحو حديث مشهور عن سالم جُعِل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه، و (هو) كذلك (جعل) متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"اه(6).
    وتلاحظ الأمور التالية:
    1 تابع ابن الصلاح على تعريفه الذين اختصروا كتابه أو نظموه، ومن هؤلاء:
    النووي (ت676ه) رحمه الله(7).
    وابن جماعة (ت733ه) رحمه الله(8).
    والطيبي (ت743ه) رحمه الله(9).
    وابن كثير (ت774ه) رحمه الله(10).

    والعراقي (ت806ه) رحمه الله (11).
    2 جرى ابن الصلاح في تعريفه على التعريف بالمثال(12)، وهو تعريف بالرسم الناقص. وفائدة هذه الملاحظة بيان أنه لا يتوجه عليه رحمه الله نقد في تعريفه من جهة أنه لم يكن جامعاً مانعاً؛ لأنه لم يقصد أصلاً التعريف بالحد التام أو الرسم التام.
    3 اقتصر ابن الصلاح رحمه الله في تعريفه بالمثال على قسمين أو صورتين من المقلوب في السند، دون ذكر المقلوب في المتن. كما أنه أطلق الكلام فهو شامل لحال العمد و الوهم!
    وقد ذكر ذلك ابن حجر (ت852ه) رحمه الله أثناء تنبيهه على وقوع القلب في متن حديث أخرجه مسلم في صحيحه، قال: "وقع في صحيح مسلم مقلوبا: "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله"(13) وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب(14) لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح(15)... وقال شيخنا: ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس(16). انتهى.
    والأولى تسميته مقلوبا؛ فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم: (مقلوبا)."اه(17).
    4 وبناء على هذا فإن ابن الصلاح رحمه ومن تابعه وجماعة من أهل العلم، لم يأت في تعريفهم إلا القلب في الإسناد! وعلل أهل العلم سبب ذلك أنه قصداً للغالب والأكثر من صور القلب وهو القلب في السند.

    قال السخاوي (ت902ه) رحمه الله: "وقسّموا (أي: أهل الحديث) المقلوب السندي خاصة، لكونه الأكثر كاقتصارهم في الموضوع على المتني لكونه الأهم"اه(18).
    قال عطية الأجهوري (ت1194ه) رحمه الله: "وهذا التعريف يخص القلب في السند واقتصر عليه في التعريف لكثرته في السند وقلته في المتن"اه(19).
    قال اللكنوي (ت1304ه) رحمه الله: "و(مقلوب السند) أكثر وقوعاً بالنسبة إلى (مقلوب المتن) ولذا سكت عن ذكر (مقلوب المتن) كثير من المصنفين في هذا الفن، كما أنهم اقتصروا في بحث الموضوع على المختلق متناً لكثرة وقوعه مع أنه قد يكون الحديث صحيحاً والسند موضوعاً"اه(20).
    والحق الذي لا مرية فيه أن كلام أئمة الجرح والتعديل المتعلق بالمقلوب أكثره وجلّه متعلق بالقلب في السند، بل لا استحضر الآن كلاماً صريحاً لأحد من المتقدِّمين في القلب في المتن(21)ويؤيد هذا الواقع: الصور المندرجة تحت القلب في السند فإنها صورتان وصورة واحدة للمتن، وصورة مشتركة بينهما، وعدّها الأكثر من صور قلب السند.
    5 ذكر ابن الصلاح في تعريفه مثالين للمقلوب، أحدهما: أن يجعل سند الحديث لمتن الآخر، وسند الآخر لمتن هذا، وهذه الصورة للقلب عدّها جمهور المصنفين في مصطلح الحديث من قبيل القلب في السند، وعدّها بعضهم من قبيل قلب المتن(22).
    وقد ذكر ابن حجر (ت852ه) رحمه الله مثالاً للقلب في المتن ينطبق على هذه الصورة حيث قال: "وأمّا في المتن فكمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متناً أو متوناً ليست فيها كنسخة معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد زاد فيها.
    وكنسخة مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما زاد فيها جماعة عدة أحاديث ليست فيها، منها القوي والسقيم وقد ذكر جلّها الدارقطني في غرائب مالك"اه(23).

    فإذا اعتبرنا أن القسم الثاني من المقلوب الذي ذكره ابن الصلاح وهو جعل متن هذا الإسناد لإسناد آخر... الخ" من المقلوب متناً فإنه يكون رحمه الله قد أشار في تعريفه إلى القلب في السند وفي المتن. وينحصر القصور في تعريفه في جهة واحدة وهي كونه لم يشمل جميع أنواع المعرّف في كل صوره أو أفراده؛ مكتفياً بالإشارة إلى محله فالقلب إمّا أن يكون في السند وإمّا أن يكون في المتن، واكتفى بالتمثيل بمثال واحد لكل منهما. وفائدة هذا: التنبيه أنه لا يتوجه نقد ابن الصلاح بأنه لم يشر إلى القلب في المتن.
    6 اقتصر بعض العلماء الذين جاؤوا بعد ابن الصلاح على نحو تعريف ابن الصلاح مقتصرين على تعريف المقلوب بحسب الغالب والأكثر؛ من هؤلاء:
    ابن دقيق العيد (أبي الفتح القشيري) (ت702ه) رحمه الله، حيث اقتصر على تعريف القلب في السند، مقتصراً على صورة واحدة منه وهي إبدال راوٍ في السند بآخر في طبقته(24).
    الذهبي (ت748ه) رحمه الله،، حيث اقتصر على تعريف القلب سنداً، فذكر صورتين منه؛ القلب بتركيب إسناد حديث إلى متن آخر بعده، أو أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد"(25).

    ابن الملقن (ت804ه) رحمه الله، حيث عرّف القلب مقتصراً على القلب في السند، فقال عن القلب إنه: "إسناد الحديث إلى غير راويه"اه(26).
    الشريف الجرجاني (ت816ه) رحمه الله، فعرَّفه بتعريف ابن الصلاح باختصار(27).
    وكذا صنع محمد بن محمد بن علي الفارسي (ت873ه) رحمه الله(28).
    ومحي الدين الكافيجي (ت879ه) رحمه الله(29).

    وجمال الدين يوسف ابن عبدالهادي (ت909ه) رحمه الله(30).

    تعريف الزركشي (ت794ه) رحمه الله:

    قال رحمه الله: "جعل إسناد لمتن آخر وتغيير إسناد بإسناد"اه(31).

    ويلاحظ مايلي:
    1 أن الزركشي رحمه الله اعتبر تعريفه هذا مبيناً لحقيقة المقلوب، وقاله بعد أن تعقّب ابن الصلاح في تعريفه بقوله: "لم يتعرّض للقلب في المتن"(32).
    وقد قدّمت لك ضمن الملاحظات تحت تعريف ابن الصلاح أنه يمكن اعتبار ابن الصلاح قد تعرّض للتعريف بالمقلوب في المتن، على الطريقة التي جرى عليها بعضهم، حيث ذكر المثال الثاني في تعريفه: "و (هو) كذلك (جعل) متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"، وهذه الصورة يمكن أن تعتبر من المقلوب في المتن بالنظر إلى المتن؛ وعليه فلا تعقب على ابن الصلاح هنا!

    2 بل لا بد من اعتبار ذلك في تعريف الزركشي حتى يصح كلامه في أن التعريف الذي ذكره (يعني: الزركشي) يبين حقيقة المقلوب!

    وعندها يأتي سؤال: إذا كان هذا هو المراد، فما وجه تعقبه على ابن الصلاح بأنه لم يتعرّض للقلب في المتن؟

    الجواب: إن تعريف ابن الصلاح بذكر المثال الثاني جاء بطريقة قد توهم أن محل التعريف عنده هو فقط قوله: "هو نحو حديث مشهور عن سالم جُعِل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه" لأن ذكره للجزء الثاني في التعريف جاء في سياق ذكره لقصة البخاري (ت256ه) مع أهل بغداد لمّا قلبوا له الأحاديث فميزها!

    فكأن والله اعلم الحافظ الزركشي رحمه الله اعتبر الجزء الأول من كلام ابن الصلاح هو فقط التعريف فأورد عليه إيراده ذاك!

    3 إذا تقرر ما ذكرته ؛ فلا تعقب على ابن الصلاح أصلاً من هذه الجهة، ويبقى أن يتعقب الزركشي في تعريفه بما سبق من تعقيب على ابن الصلاح من أن التعريف لم يشمل جميع صور القلب.

    تعريف ابن الجزري (ت833ه) رحمه الله:

    قال رحمه الله:

    والخبر المقلوب أن يكون عن

    وقيل فاعل هذا يسرق

    قلت: وعندي أنه الذي وضع

    للحافظ البخاري في بغداد

    منقلب وأصله كما يجب

    كمثل للفارس سهمين للفرس

    إن ابن مكتوم ليل يُسْمَع

    سالم يأتي نافع ليرغبن

    ثم مركب على ذا أطلقوا

    إسناد ذا لغيره كما وقع

    والمزِّ أيضاً بابن عبدالهادي

    يسبق لفظ الراو فيه ينقلب

    للنار ينشيء الله خلقاً انعكس

    وقبل جمعة يُصَلِّي أربع(33)

    وتلاحظ الأمور التالية:

    1 أن ابن الجزري رحمه الله أطلق المقلوب على صورة واحدة، منصوره، وهي: "حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه".

    2 سمّى الصورة الثانية من صور المقلوب عند ابن الصلاح وهي: "جعل متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر"، سمّاها

    ب "المركب"، وقال: هي أولى بهذه التسمية من الصورة الأولى التي سمّاها بعض المحدثين بذلك.
    وهذا اصطلاح من ابن الجزري و لا مشاحة فيه.

    3 ذكر صورة القلب في المتن التي هي: "أن يكون الحديث على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغيّر معناه وربما انعكس"(34)، وسمّاها ب "المنقلب". وأشار رحمه الله أن في قلب المتن عكس للمتن.

    وقد قال السراج البلقيني (ت805ه) رحمه الله: "يمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص ولكن لم أر من تعرض له"اه(35).

    وابن الجزري رحمه الله في ذكره لهذه الصورة قد تميّز عمن قبله، بل إنه رحمه الله ذكر أمثلة لهذا القسم توضحه وتبينه، فجزاه الله خيراً.

    4 يستدرك عليه رحمه الله أنه لم يذكر صورة القلب في الأسماء، وهو: "أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد".

    5 جرى القاسمي (ت1332ه) رحمه الله على نحو اصطلاح ابن الجزري رحمه الله، حيث قال القاسمي رحمه الله، تحت الأنواع التي تختص بالضعيف: "المقلوب وهو ما بدل فيه راوٍ بآخر في طبقته أو أخذ إسناد متنه فركب على متن آخر ويقال له المركب"(36). وعدّ في الأنواع التي تشترك في الصحيح والحسن والضعيف: "المنقلب: الذي ينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغير معناه"اه(37).

    قلت: ويلاحظ أن القاسمي لم يرد في كلامه ذكر لصور من صور القلب وهي: إبدال اسم الراوي مع اسم أبيه. كما أنه صرّح بأن الصورتين اللتين ذكرهما من نوع الضعيف. وهو يعني بذلك والله اعلم أنهما من نوع الضعيف من جهة السند، أمّا المتن فقد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً أو حتى موضوعاً؛ ولذلك تراه رحمه الله لمّا ذكر القلب المتعلق بالمتن وسمّاه ب "المنقلب" أدرجه تحت الأنواع التي تشترك في الصحيح والحسن والضعيف.
    تعريف ابن الوزير اليماني (ت840ه) رحمه الله:
    قال رحمه الله: "هو قسمان: أحدهما: أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه راوٍ آخر في طبقته ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه كحديث مشهور بسالم يجعل مكانه نافع ونحو ذلك... القسم الثاني: أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر، ومتن هذا فيجعل بإسناد آخر. القسم الثالث(38): ما انقلب على راويه ولم يقصد قلبه. نوع آخر من المقلوب: وهو ما انقلب متنه على بعض الرواة"اه(39).

    ويلاحظ عليه الأمور التالية:

    1 أن تعريفه جاء شاملاً للقلب في السند والمتن، مفرداً القلب في المتن بصورة خاصة غير مشتركة.

    2 أن جميع هذه الصور عنده في المقلوب، ولم يصطلح لها أسماء خاصة.
    3 يستدرك عليه رحمه الله أنه لم يذكر صورة القلب في الأسماء، وهو: "أن ينقلب عليه اسم راوٍ مثل: "مرّة بن كعب" ب "كعب بن مرّة"، و "سعد بن سنان" ب "سنان بن سعد".
    تعريف ابن حجر (ت852ه) رحمه الله:
    قال رحمه الله: "حقيقته إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً"اه(40). وقال أيضاً: "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر فهذا هو المقلوب، وقد يقع القلب في المتن أيضاً"(41). ثم قال: "وقد يقع الإبدل عمداً لمن يريد اختبار حفظه امتحاناً من فاعله كما وقع للبخاري والعقيلي وغيرهما. وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة، فلو وقع الإبدال عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع ولو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل"اه(42).
    ويلاحظ ما يلي:
    1 أن تعريف ابن حجر رحمه الله هذا لم يأت في محل واحد بل جاء مفرقاً في أكثر من موضع وفي أكثر من كتاب؛ فالمقطع الأول جاء في كتابه النكت على كتاب ابن الصلاح، والمقطع الثاني جاء في كتابه "نزهة النظر"، في موضعين منه.
    2 أنه اصطلح على تسمية ما وقعت فيه "المخالفة بتقديم أو تأخير في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"، ب "المبدل" مع تسميته له ب "المقلوب"(43)فهو مقلوب مبدل.

    3 اصطلح على أن ما وقع فيه الإبدال (يعني: إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله) عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع، وهو بذلك لا يمنع تسميته بالمقلوب بل يقيده بأنه مقلوب موضوع، أمّا لو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل، فحصر القلب في الوهم فهو الذي يطلق عليه أنه "مقلوب" دون أي قيد.
    4 أن تعريف ابن حجر رحمه الله بالنظر إلى مجموعه جاء شاملاً لجميع صور المقلوب، وستأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذا الاستعراض لتعريف المقلوب عند علماء المصطلح.
    5 في كلام ابن حجر (ت852ه) رحمه الله في نزهة النظر ما قد يوهم أن شرط المقلوب المبدل أن يقع وهماً وغلطاً(44)، وسبب هذا والله اعلم عبارة ابن حجر رحمه الله نفسه حيث قال:"وقد يقع الإبدل عمداً لمن يريد اختبار حفظه امتحاناً من فاعله كما وقع للبخاري والعقيلي وغيرهما. وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة، فلو وقع الإبدال عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع ولو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعلل"اه(45).

    ويزول هذا الإيهام إن شاء الله تعالى إذا تنبهت إلى أن مراد الحافظ ابن حجر والله اعلم أن وقوع الإبدال عمداً يدخل في الموضوع لا أنه لا يسمى مقلوب، بل يكون مقلوباً موضوعاً، فلا يطلق عليه اسم القلب فقط؛ ويدل على هذا الأمور التالية:

    أنه نص أن الإبدال يقع عمداً ووهماً، ويسمى في جميع حالته قلباً وذلك في قوله رحمه الله: "حقيقته (يعني: المقلوب) إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً"اه(46).
    أنه نص على أن إبدال اسم الراوي بالتقديم والتأخير من المقلوب حيث قال: "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر فهذا هو المقلوب، وقد يقع القلب في المتن أيضاً".
    فتحصل من النصين أن الإبدال في الحديث سنداً أو متناً بجميع صوره عنده من المقلوب، وجميعه عنده يقع عمداً أو سهواً، وعليه؛ فإن مراده باصطلاح "المبدل": أن المقلوب في حالة حصوله عمداً سواء كان في اسم الراوي بالتقديم أو التأخير أو بإبدال راوٍ مكان راوٍ أو إبدال السند جميعه وهو ما مثل له في كلامه في "النزهة" بقوله: "كما وقع للبخاري والعقيلي"، فالإبدال في جميع هذه الصور إذا وقع عمداً فهو من أقسام الموضوع، و لا يزول عنه اسم المقلوب، فيكون مقلوباً موضوعاً.

    يساعد هذا قوله في معرض ذكر أصناف الوضاعين: "الصنف الثالث: من حمله لشره ومحبة الظهور على الوضع ممن رق دينه من المحدثين فيجعل بعضهم للحديث الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً كمن يدّعي سماع من لم يسمع وهذا داخل في قسم المقلوب"اه(47).

    فهنا أدخل هذا في المقلوب، وهناك أدخل الإبدال في حال العمد في الموضوع، فليس مراده إذا أنه لا يسمى مقلوباً إنما مراده أنه يسمى مقلوباً مع قيد الوضع، لأن راويه تعمد ذلك! فاسم "المقلوب" مطلقاً دون قيد شرطه: وقوع القلب وهماً لا عمداً.
    وهذا هو ما أشار إليه السيوطي (ت911ه) رحمه الله في قوله:
    القلب في المتن وفي الإسناد قر
    واحد نظيره ليغربا
    لآخر و عكسه إغراباً أو
    وهو يسمى عندهم بالسرقة
    إمّا بإبدال الذي به اشتهر
    أو جعل إسناد حديث اجتبى
    ممتحناً كأهل بغداد حكوا
    وقد يكون القلب سهواً أطلقه(48)

    فقوله: "وقد يكون القلب سهواً أطلقه" يشير إلى المعنى الذي ذكرته لك. وهذا في الحقيقة يتفق مع ما تقرر في علم المصطلح عن الحديث الموضوع من أنه "لاتحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقروناً ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب"(49).
    6 وفي فلك تعريف ابن حجر (ت852ه) رحمه الله يدور تعريف تلميذه السخاوي (ت902ه) رحمه الله(50).
    وكذا السيوطي (ت911ه)، حيث أشار إلى تعريف المقلوب بأنه: "إبدال الذي به اشتهر الحديث سنداً أو متناً"، مع ملاحظة أنه اقتصر في الصور على ما ذكره ابن الصلاح رحم الله الجميع(51).
    وكذا زكريا الأنصاري (ت925ه) رحمه الله، حيث عرّفه بأنه: "هو تبديل شيء بآخر على الوجه الآتي (في أقسام المقلوب)"اه(52).
    وكذا اللكنوي (ت1304ه) رحمه الله(53). وكذا محمد محمد أبوشهبة (ت1403ه) رحمه الله(54). وكذا محمد محمد السماحي (ت1404ه) رحمه الله(55). وكذا صبحي الصالح (ت1407ه) رحمه الله(56). وكذا السيد قاسم الإنديجاني رحمه الله (57). وكذا محمد أديب الصالح حفظه الله(58). وكذا نور الدين عتر حفظه الله(59). وكذا محمد لطفي الصباغ حفظه الله(60). وكذا محمود الطحان حفظه الله (61).

    وكاد تعريف محمد عجاج الخطيب حفظه الله، أن يكون من التعاريف الجامعة حيث قال: "هو الحديث الذي انقلب فيه على راوٍ بعض متنه أو اسم راوٍ في سنده أو سند متن مشهور به لآخر"اه(62).

    ويلاحظ ما يلي:

    1 أن تعريفه فيه دور، حيث فسر الحديث المقلوب بالحديث الذي انقلب، ولم يأت في كلامه ما يوضح حقيقة القلب!

    2 أن تعريفه غير جامع لصور المعرّف، إذ لم يذكر صورة القلب بالتقديم والتأخير في الأسماء، ولم تأت عبارته واضحة في صورة القلب ب إبدال ما اشتهر براوٍ فيجعل مكانه راوٍ في طبقته ليصير غريباً مرغوباً فيه.

    تعريف طاهر الجزائري (ت1338ه) رحمه الله:

    قال رحمه الله، معرفاً للمقلوب وقد عدّه في أقسام الحديث الضعيف: "هو ما وقعت المخالفة فيه بالتقديم والتأخير... والغالب في القلب أن يكون في الإسناد".

    ثم قال: "وقال الأكثرون: القلب أعم من ذلك وجعلوا القلب في الإسناد قسمين... وذكر نحواً من تقسيم ابن الصلاح". ثم قال: "وقد عرّف بعضهم القلب في المتن بقوله: أن يعطي أحد الشيئين ما اشتهر للآخر"اه(63).

    ويلاحظ ما يلي:
    1 أنه نظر في تعريفه إلى تعريف ابن حجر رحمه الله في كتابه نزهة النظر، وقد تقدّم، لكنه جعله عاماً ولم يخصّه بكونه في أسماء الرواة بل جعله شاملاً للسند والمتن.
    2 يمكن أن يتعقب تعريفه بكون القلب أعم من أن يكون بالتقديم والتأخير، وهذا ما أشار إليه في كلامه عندما ذكر تعريف المقلوب عند الأكثرين! ويبدو أن مراد الشيخ رحمه الله أن حصر القلب في هذه الصورة أولى، ويكون هذا اصطلاحاً خاصاً به، و لا مشاحة في الاصطلاح!
    3 تقدّم التنبيه على أن ابن حجر (ت852ه) رحمه الله في مجموع كلامه في النزهة لا يفيد حصر المقلوب في التقديم والتأخير في الأسماء، وإنما وقع إيهام في عبارته بسبب الفصل، ويؤكد أنه لم يرد حصر المقلوب في التقديم والتأخير في الأسماء أمور سبق ذكرها، فارجع غير مأمور إلى تعريف ابن حجر والملاحظات تحته!
    4 ويتعقب أيضاً بأنه أدرج المقلوب تحت أقسام الضعيف، هكذا مطلقاً دون تفصيل، والواقع أن المقلوب منه ما يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً.
    OmerAtef
    OmerAtef
    Admin


    ذكر عدد المساهمات : 291
    تاريخ التسجيل : 25/08/2010
    العمر : 29
    الموقع : www.googlepx.com

    Google px رد: الحديث المقلوب - تعريفه، وفوائده، وحكمه، والمصنفات فيه

    مُساهمة من طرف OmerAtef الثلاثاء يناير 11, 2011 4:33 am

    يتبع
    ====

    التعريف المختار:
    وبعد: فقد مررنا في هذا الاستعراض بجملة من تعاريف أهل العلم الجامعة المانعة التي يصلح كل واحد منها أن يكون تعريفاً مختاراً، ومن ذلك:

    ما نستخلصه من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله من أن المقلوب: حقيقته إبدال من يعرف برواية بغيره فيدخل فيه إبدال راوٍ أو أكثر من راوٍ حتى الإسناد كله، أو بتقديم أو تأخير أي في الأسماء ك "مرة بن كعب" و"كعب بن مرّة"؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر. وقد يقع ذلك عمداً إمّا بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان وقد يقع وهماً فأقسامه ثلاثة وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن وقد يقع فيهما جميعاً.

    ومنه نعلم أن أركان القلب في الحديث هي التالية:

    1 صرف وتحويل وتبديل للحديث عن وجهه.

    2 يكون في السند أو المتن، أو فيهما.

    3 يقع عمداً أو سهواً.

    4 صرف الحديث عن وجهه لا يكون مقلوباً إلا إذا كان فيه إبدال في السند أو المتن أو فيهما على صورة من الصور التالية:

    القلب بإبدال الراوي المشهور بالسند بآخر في طبقته. وهذا قلب في الإسناد. ويسميه بعض أهل الحديث كما أشار ابن الجزري ب "المركب"(64).

    القلب بإبدال راوٍ بآخر في السند مطلقاً، ومن أشهر صوره القلب بإبدال الراوي المشهور بالسند بآخر في طبقته. ويسميه بعض أهل الحديث كما أشار ابن الجزري ب "المركب"(65).

    ومن صوره أن يكون الحديث من رواية الأكابر عن الأصاغر فيقلبه ويرويه على الجادة.

    أو أن يكون الحديث من باب المدبج في رواية الأقران فينقلب عليه.

    وهذا قلب في الإسناد.

    القلب بالتقديم والتأخير ونحو ذلك في اسم الراوي في السند. وهذا قلب في الإسناد. ويسميه ابن حجر ب "المبدل"(66) فهو عنده "مقلوب مبدل".

    القلب بإعطاء أحد المذكورين في الحديث ما اشتهر للآخر. وهذا قلب في المتن. ويسميه ابن الجزري ب "المنقلب". وقال السراج البلقيني (ت805ه) رحمه الله: "يمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس، فينبغي أن يفرد بنوع خاص ولكن لم أر من تعرض له"اه(67). وتبع القاسميُّ رحمه الله ابن الجزري رحمه الله في اصطلاحه.

    القلب بجعل سند هذا الحديث لمتن الآخر ومتن الآخر لسند هذا الحديث. وهذا قلب في الإسناد عند الأكثرين، وقلب للمتن عند بعضهم، وهو في حقيقته مشترك بينهما(68). ويسميه ابن الجزري كما سبق ب "المركب"، وتابعه على ذلك القاسمي.

    وهذه الصور مشتملة على أقسام المقلوب؛

    فهو ينقسم باعتبار موضعه إلى قسمين:

    مقلوب في السند.

    مقلوب في المتن.

    وينقسم باعتبار تعمده أو عدمه إلى ثلاثة أقسام:

    القلب عمداً بقصد الإغراب.

    القلب عمداً بقصد الامتحان.

    القلب بدون قصد، وهماً و غلطاً.

    والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: عموم وخصوص مطلق، فكل مقلوب اصطلاحي مقلوب لغة و لا عكس.

    إذ القلب في اللغة عام في كل صرف لأي شيء عن وجهه، وفي الاصطلاح عند المحدثين خاص بصرف الحديث عن وجهه على هيئة مخصوصة.

    المقصد الثاني: فوائد معرفة الحديث المقلوب

    بعد أن تعرفنا على حقيقة وماهية الحديث المقلوب عند علماء الحديث، نقف هنا على فوائد معرفة الحديث المقلوب، وهي كثيرة الأفراد أذكر مجملها في النقاط التالية:

    1 من فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث يُظن فائدة، وليس كذلك، إذ يُكتشف أنه مقلوب.

    قال شعبة (ت160ه) رحمه الله: "أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة"(69).

    2 من فوائده: كشف تحقق حصول الاتصال من عدمه.

    قال ابن أبي حاتم رحمه الله: "سمعت أبي يقول: إسماعيل بن أبي خالد الفَدَكي لم يدرك البراء. قلت: حدّث يزيد بن هارون عن سيّار عن يحي بن أبي كثير عن إسماعيل بن أبي خالد الفدكي أن البراء بن عازب رضي الله عنه حدّثه في الضحايا؟ قال: هذا وهم، وهو مرسل"اه(70).

    قلت: ومعنى هذا أن الرواية انقلبت على أحدهم فرواه بصيغة السماع بين إسماعيل بن أبي خالد والبراء بن عازب، والحقيقة أنه لا سماع بينهما.

    قال أبوزرعة الرازي (ت264ه) رحمه الله، في "عبدالرحمن بن أبي الموال": "لا بأس به، صدوق". وذكر الذهبي في الميزان(71)حديثاً يرويه عبدالرحمن بن أبي الموال عن عبيدالله بن موهب عن عمرة عن عائشة. قال أبوزرعة: "هذا خطأ. الصحيح عن ابن موهب عن علي بن الحسين، مرسل".

    قلت: وهذا بمعنى أنه أخطأ فقلبه! والملحوظ هنا أن قلبه أوهم اتصال سند الحديث!

    ومن هذا القبيل ما تراه في بعض الأسانيد من صيغة السماع بين راويين صرّح أهل العلم بأنه لم يقع بينهما! ولا ينبغي العدول عن تصريح أهل العلم لمجرد وقوع مثل هذا الأمر في الأسانيد، إذ يغلب على الظن عندها أن وقوع ذلك هو من قبيل القلب(72).

    قال ابن حبان (ت354ه) رحمه الله، في ترجمة: "سالم بن عبدالله الخياط": "يقلب الأخبار ويزيد فيها ما ليس منها ويجعل روايات الحسن عن أبي هريرة سماعاً، ولم يسمع الحسن عن أبي هريرة شيئاً. لا يحل الاحتجاج به"(73).

    3 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن القلب يوهم التفريق بين رجلين لوجود اسمين وهما واحد، يُعرف هذا بمعرفة أن الحاصل من الاسمين إنما هو من باب قلب الأسماء.

    ومن هؤلاء الذين انقلبت أسماؤهم بالتقديم والتأخير فظُن أنهما اثنان كثير ممن يوردهم الحافظ ابن حجر (ت852ه) رحمه الله في كتابه "الإصابة"، في القسم الرابع من كل حرف، والذي خصصه رحمه الله فيمن ذكر في الكتب التي اعتمد عليها في تصنيف كتابه على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك، فمن هؤلاء:

    بشر بن رافع السلمي، قلبه بعضهم إلى "رافع بن بشر" السلمي(74).

    بلال بن الحارث المزني انقلب اسمه إلى "الحارث بن بلال المزني" وهو هو!(75).

    الحارث بن شريح بن ذؤيب النميري، انقلب اسمه في رواية عند عمر بن شبة إلى "شريح بن الحارث"(76).

    حصين بن ربيعة بن عامر الأحمسي، قيل فيه: "ربيعة بن حصين" كأنه انقلب اسمه!(77).

    فتمييز هؤلاء ومعرفتهم إنما كانت بإدراك وقوع القلب في أسمائهم، وهذا من فوائد معرفة المقلوب!

    4 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث الواحد يُعد أحاديث إذا وقع القلب في اسم الصحابي، فيتبين بمعرفة وقوع القلب فيه أنه حديث واحد، وليس حديثين!

    قال ابن حجر (ت852ه) رحمه الله: "يوجد ذلك في كلام الترمذي فضلاً عمن دونه حيث يقال: وفي الباب عن فلان وفلان، ويكون الواقع أنه حديث واحد اختلف على راويه"اه(78).

    من ذلك ما جاء عند ابن حبان في ترجمة: "سعيد بن أوس أبوزيد الأنصاري، من أهل البصرة"(79).

    قال ابن حبان (ت354ه) رحمه الله: "يروي عن ابن عون ما ليس من حديثه روى عنه البصريون لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به من الأخبار، و لا الاعتبار إلا بما وافق الثقات في الآثار.

    روى عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بلال اسفر بالصبح فإنه أعظم للأجر". ثناه الحسين بن إسحاق الأصبهاني بالكرخ، ثنا القاسم بن عيسى الحضرمي ثنا سعيد بن أوس.

    وليس هذا من حديث ابن عون و لا ابن سيرين و لا أبي هريرة؛ وإنما هذا المتن من حديث رافع بن خديج فقط. فيما يشبه هذا مما لا يشك عوام اصحابنا أنها مقلوبة أو معمولة"اه(80).

    قلت: فهذا الحديث يُظن بسبب القلب أن له رواية عن أبي هريرة، وليس كذلك!

    5 ومن فوائده حصر الخلاف وتقليله فيمن اختلف في اسمه من الرواة، كما تراه في ترجمة أبي هريرة t واختلافهم في اسمه والواقع أنه وقع قلب في بعض الأقوال في اسمه، نبه عليه ابن حجر رحمه الله في الإصابة.

    6 ومن فوائده كشف زيف تعدد الطرق لبعض الأحاديث وعند التحقيق ليس للحديث إلا طريق واحد انقلب على بعض الرواة فظُن طريقان!

    7 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن متن الحديث يُظن حديثاً آخر وهو حديث واحد انقلب على راويه.

    كما في حديث: "كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الجمعة أربعاً"، وهذا الحديث مقلوب، انقلب على الراوي من حديث: "كان يصلي بعد الجمعة أربعاً"(81).

    8 ومن فوائده: أنه يبرز صورة من صور تدليس الشيوخ، بأن يتعمد المدلس قلب اسم شيخه مع اسم أبي شيخه!

    وفي الرواة: محمد بن سعيد المصلوب.ت.ق.

    قال عبدالله بن أحمد بن سوادة: "قلبوا اسمه على مائة اسم وزيادة، قد جمعتها في كتاب"اه(82).

    قال الذهبي (ت748ه) رحمه الله: "وقد غيّروا اسمه على وجوه ستراً له وتدليساً لضعفه"اه(83).

    9 ومن فوائد المقلوب: أنه يكتشف به حال الراوي من الضبط.

    قال الخطيب البغدادي (ت463ه) رحمه الله: "إذا سلم الراوي من وضع الحديث وادعاء السماع ممن لم يلقه وجانب الأفعال التي تسقط بها العدالة غير أنه لم يكن له كتاب بما سمعه فحدّث من حفظه لم يصح الاحتجاج بحديثه حتى يشهد له أهل العلم بالأثر والعارفون به أنه ممن قد طلب الحديث وعاناه وضبطه وحفظه!

    ويعتبر اتقانه وضبطه بقلب الأحاديث عليه"اه(84).

    وقد ذكر ابن حجر (ت852ه) رحمه الله تعالى أن ممن كان يفعل قلب الأحاديث لقصد الامتحان شعبة (ت160ه) رحمه الله، حيث كان يفعله كثيراً لقصد اختبار حفظ الراوي فإن أطاعه على القلب عرف أنه غير حافظ وإن خالفه عرف أنه ضابط(85).

    10 من فوائد معرفة المقلوب: أن الحديث يروي بزيادة، تُظن مفسرة، وهي مقلوبة، وهم فيها الراوي، يُعرف ذلك بمعرفة أنها مقلوبة.

    جاء عن شعبة عن قتادة أنه سمع زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه الظهر، فقال: أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ فقال رجل: أنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرفت أن رجلاً خالجنيها.

    قال شعبة: فقلت لقتادة: كأنه كرهه؟

    فقال: لو كرهه لنهى عنه"(86).

    قال البيهقي (ت463ه) رحمه الله: "في سؤال شعبة وجواب قتادة في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اه(87).

    يشير إلى أن الرواية التي جاءت لهذا الحديث عن قتادة وفيها: "النهي عن القراءة" مقلوبة؛ إذ رواية قتادة لا تفيد النهي، والراوي أدرى بمرويه؛ فمن رواه عن قتادة على النهي فقد انقلب عليه الحديث، وهو ماجاء عن ابن صاعد عن يوسف عن سلمة بن الفضل عن حجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ورجل يقرأ خلفه فلما فرغ قال: من ذا الذي يخالجني سورتي فنهى عن القراءة خلف الإمام".

    قال ابن صاعد (ت318ه): قوله: "فنهى عن القراءة خلف الإمام" تفرد بروايته حجاج، وقد رواه عن قتادة: شعبة وابن أبي عروبة ومعمر وإسماعيل ابن مسلم وحجاج وأيوب بن أبي مسكين وهمام وأبان وسعيد بن بشر فلم يقل أحد منهم ما تفرد به حجاج. قال شعبة: سألت قتادة كأنه كرهه؟ قال: لو كرهه لنهى عنه"اه(88).

    ومعنى هذا الكلام: أن الرواية التي جاءت للحديث من طريق قتادة وفيها التصريح بالنهي عن القراءة مطلقاً خلف الإمام؛ رواية مقلوبة، انقلبت على الراوي عن قتادة، إذ رواية قتادة ليس فيها النهي عن القراءة خلف الإمام، بل قتادة نفسه الراوي لها صرّح بذلك، فكيف يكون في رواية الحديث عن طريقه التصريح بالنهي مع تصريحه بأنها لم تتضمن النهي عن القراءة؟!

    11 ومن فوائد معرفة المقلوب: أن الراوي قد يقلب سند الحديث فيُظن أنه صحابي وهو تابعي! يكشف ذلك بمعرفة وقوع القلب في السند على الراوي.

    في الرواة: أشعث بالمثلثة بن عمير بن جودان. يروي عن أبيه.

    وقع في بعض الروايات عمير بن أشعث بن جودان عن أبيه.

    فجعل عمير اسم لولده، يروي عن أبيه أشعث، فظُنّ الأب (أشعث) من الصحابة!

    والصواب: عن أشعث بن عمير بن جودان عن أبيه. قاله ابن منده وغيره.

    وقال أبو نعيم (ت430ه): "قلبه بعض الرواة"اه(89).

    وفي الرواة: ثابت بن معبد تابعي أرسل حديثا أو وصله فانقلب على بعض رواته، فتُوهِّم أنه صحابي.

    ذكره ابن منده وبين جهة الوهم فيه قال: "روى عمرو بن خالد عن عبيدالله بن عمرو عن عبدالملك بن عمير عن رجل من كلب عن ثابت بن معبد أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة من قومه أعجبه حسنها الحديث".

    هكذا قال: "عمرو"! ورواه علي بن معبد وغيره عن عبيدالله بن عمرو عن عبدالملك عن ثابت بن سعيد عن رجل من كلب بهذا.

    قال ابن منده (ت395ه): "هذا هو الصواب قلبه عمرو بن خالد"اه.

    وقال البخاري (ت256ه) رحمه الله: "ثابت بن معبد روى عنه عبدالملك ابن عمير منقطع حديثه في الكوفيين"اه(90). وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: "ثابت ابن معبد، روى عن عمر بن الخطاب روى عنه عبد الملك"اه(91).

    وقال ابن حبان (ت354ه) رحمه الله: "ثابت بن معبد يروي عن عمه، روى عنه عبد الملك بن عمير"اه(92).

    وقال ابن مندة (ت395ه): "تابعي عداده في أهل الكوفة‏"اه (93).

    المقصد الثالث: حكم الحديث المقلوب ومرتبته

    قلب الحديث إمّا أن يقع عمداً بقصد الامتحان أو بقصد الإغراب، وإما أن يقع سهواً.

    فإن وقع سهواً بلا تفريط في حق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر فيه قريب(94)، ولا إثم على من وقع منه ذلك والحال هذه، إن شاء الله تعالى. لكن حديثه وضبطه يُخْدَش بذلك بحسب كثرة الخطأ، فإن كان الغالب عليه الخطأ وعدم الحفظ، فكثر القلب في حديثه فهو منكر الحديث، وإن لم يكن غالباً فبحسبه، فتارة يكون صاحبه من شرط الحسن وتارة من شرط الصحيح لكن لا في أعلى درجاته، ما دام أن ذلك لم يكن غالباً ولا كثيراً في مروياته!

    قال سفيان الثوري (ت161ه) رحمه الله: "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط. وإن كان الغالب عليه الغلط ترك"(95).

    قال ابن مهدي (ت198ه) رحمه الله: "الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه. وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه. وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه"(96).

    قال ابن حبان (ت354ه) رحمه الله في ترجمة إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم، بعد أن وصفه بقلب الحديث: "فالاحتياط في أمره الاحتجاج بما وافق الثقات من الأخبار، وترك ما انفرد من الآثار"اه(97).

    وقال أيضاً رحمه الله: "من ساء حفظه حتى كان يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات ما ليس من حديثه لا يجوز الاحتجاج به"اه(98).

    وقد ينسب من وقع منه ذلك إلى الكذب بمعنى مخالفة الواقع في مرويِّه لا بمعنى أنه وضاع طالما أنه لم يتعمّد، فتنبه!

    كما تراه في وصف البيهقي لمن قلب حديثاً وليس في السند من يوصف بأنه وضاع، فقال، بعد أن ذكر رواية صحيحة تبين القلب وتكشف وقوع الخطأ في رواية كان يتكلم عنها، قال: "في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اه(99).

    الشاهد أنه قال: "تكذيب من قلب"؛ قلت: وليس في السند الذي ذكره هناك مَنْ يوصف بأنه يضع الحديث، فأطلق التكذيب ومراده الخطأ، ووجه ذلك أن الكذب يطلق في الأصح على عدم مطابقة الواقع مطلقاً، سواء بعمد أو بغير عمد(100)، وهذه لغة أهل الحجاز كما نبه على ذلك أهل العلم(101).

    وإن وقع القلب عمداً بقصد الامتحان فقد استنكره حرَمي بن عمارة (ت201ه) رحمه الله ووجه ذلك والله اعلم لما يترتب عليه من تغليط من يمتحنه فقد يستمر على روايته لظنه أنه صواب وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظناً منه أنه صواب(102).

    قال حماد بن زيد: "سألت سلمة بن علقمة عن شيء فرفع ثم نظر إليّ فقال: إن سرّك أن يكذب صاحبك فلقنه، ثم رجع".

    وفي رواية: "لقنت سلمة بن علقمة حديثاً فحدثنيه ثم رجع عنه، وقال: إذا سرّك أن تكذب أخاك فلقنه"(103).



    عن مطر الوراق قال: قال أبو الأسود: "إذا سرّك أن تكذب صاحبك فلقنه"(104).

    عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حرمي بن عمارة (ت201ه) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة (ت160ه) رحمه الله أنه قال: كتبت حديث أنس عن الحسن، وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش فقرأها عليّ! فقال حرمي: بئس ما صنع، وهذا يحل؟(105).

    وممن كان يكره القلب على الشيوخ: عبدالله بن إدريس (ت192ه) رحمه الله، ويحي بن سعيد القطان (ت198ه) رحمه الله.

    قال خلف بن سالم: حدثني يحي بن سعيد، قال: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها من يطلب الحديث: مليح بن وكيع، وحفص بن غياث، وعبدالله ابن إدريس، ويوسف بن خالد السمتي، فقلنا: نأتي ابن عجلان.

    فقال يوسف بن خالد: نقلب على هذا الشيخ حديثه، ننظر تفهمه. قال: فقلبوا فجعلوا ماكان عن سعيد عن أبيه، وما كان عن ابيه عن سعيد، ثم جئنا إليه، لكن ابن إدريس تورّع وجلس بالباب وقال: لا استحل، وجلست معه... القصة(106).

    وجمهور أهل الحديث على جواز القلب لامتحان ضبط الراوي؛ فإن أطاعه على القلب وقبل التلقين به عرف أنه غير حافظ، و إن خالفه عرف أنه ضابط، وهذه المصلحة أكثر من المفسدة فيه، وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة.



    قال الحافظ العراقي (ت804 ه) رحمه الله في حديثه عن قلب الحديث: "وقد يُفعل اختباراً لحفظ المحدِث وهذا يفعله أهل الحديث كثيراً، وفي جوازه نظر، إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثاً وإنما يُقصد اختبار حفظ المحدث بذلك أو اختباره هل يقبل التلقين أوْ لا"اه(107).

    وقال ابن حجر (ت852ه) رحمه الله: "وشرطه أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة"اه(108).

    وممن نقل عنه أنه فعل ذلك:

    شعبة بن الحجاج (ت160ه) رحمه الله، وتقدّم النص في ذلك في قصة حرمي!

    عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حرمي بن عمارة (ت201ه) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة (ت160ه) رحمه الله أنه قال: كتبت حديث أنس عن الحسن، وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش فقرأها عليّ!...(109).

    وممن فعل ذلك: حماد بن سلمة (ت167ه) رحمه الله.

    عن حماد بن سلمة (ت167ه) رحمه الله، قال: "قلبت أحاديث على ثابت فلم تنقلب، وقلبت على أبان بن أبي عياش فانقلبت"(110).

    وعنه قال: "كنت أقلب على ثابت البناني حديثه، وكانوا يقولون: القصاص لا يحفظون وكنت أقول لحديث أنس: كيف حدثك عبدالرحمن بن أبي ليلى؟ فيقول: لا إنما حدثناه أنس! وأقول لحديث عبدالرحمن بن أبي ليلى: كيف حدّثك أنس؟ فيقول: لا إنما حدثناه عبدالرحمن بن أبي ليلى"اه(111).

    وممن فعل ذلك يحي بن معين (ت233ه) رحمه الله.

    قال أحمد بن منصور الرمادي: "كنا عند أبي نعيم نسمع مع أحمد بن حنبل (ت241ه) ويحي بن معين (ت233ه) قال: فجاءنا يوماً يحي ومعه ورقة قد كتبت فيها أحاديث من أحاديث أبي نعيم (يعني: الفضل بن دكين) وأدخل خلالها ما ليس من حديثه، وقال: أعطه بحضرتنا حتى يقرأ. وكان أبونعيم إذا قعد في تيك الأيام للتحديث كان أحمد على يمينه ويحي على يساره فلمّا خفّ المجلس ناولته الورقة، فنظر فيها كلها ثم تأملني ونظر إليها ثم قال وأشار إلى أحمد : أمّا هذا فآدب من أن يفعل مثل هذا، وأمّا أنت فلا تفعلن وليس هذا إلا من عمل هذا، ثم رفس يحي رفسة رماه إلى أسفل السرير، قل: علي تعمل، فقام إليه يحي وقبله، وقال: جزاك الله عن الإسلام خيراً، مثلك من يحدث إنما أردت أن أجربك"اه(112).

    وممن فعل ذلك: الحارث بن سريح النقال الفقيه(113).

    قال مجاهد بن موسى المخزومي: "دخلنا على عبدالرحمن بن مهدي (ت198ه) في بيته فدفع إليه حارث النقال رقعة فيها حديث مقلوب، فجعل يحدثه حتى كاد أن يفرغ ثم فطن، فنقده فرمى به، وقال: كاذب والله كاذب والله".

    وفي رواية أن ابن مهدي (ت198ه) قال بعد أن رمى بالحديث الذي أدخل في الصحيفة: "كادت والله تمضي كادت والله تمضي"(114).

    أمّا إن وقع القلب عمداً، بقصد الإغراب فهذا من أقسام الموضوع(115). وهو حرام(116).

    وفاعله على هذه الصفة من الوضاعين(117). وحديثه مردود(118).

    وبعض صوره ووجوهه أغلظ تحريماً من الأخرى، وصوره هي التالية:

    الصورة الأولى: أن يقلب اسم الراوي بالتقديم والتأخير، أو نحوه، وتعمّد هذا القلب من صور تدليس الشيوخ، إذا كان بغرض الستر على الشيخ الضعيف أو المتروك فهو حرام.

    واثم تدليس الكذاب الوضاع أكثر إثماً من تدليس الضعيف.

    قال ابن الجوزي (ت597ه) رحمه الله: "من دلّس كذاباً فالإثم لازم له؛ لأنه آثر أن يؤخذ في الشريعة بقول باطل"اه(119).

    قال العلائي (ت761ه) رحمه الله: "وأمّا تدليس الشيوخ فهو يختلف باختلاف الأغراض؛

    فمنهم من يدلس شيخه لكونه ضعيفاً أو متروكاً حتى لا يعرف ضعفه إذا صرّح باسمه.

    ومنهم من يفعل ذلك لكونه كثير الرواية عنه كي لا يتكرر ذكره كثيراً.

    أو لكونه متأخر الوفاة قد شاركه فيه جماعة فيدلسه للإغراب.

    أو لكونه أصغر منه أو لشيء بينهما كما وقع للبخاري مع الذهلي.

    وكلها سوى النوع الأوّل أمره خفيف.

    وقد تسمّح بذلك جماعة من الأئمة، وأكثر منه الحافظ الخطيب في كتبه، وليس فيه إلا تضييع للمروي عنه وتوعيره لطريق معرفته على من يروم ذلك(120).

    وأمّا النوع الأوّل فهو مذموم جداً لما فيه من تغطية حال الضعيف والتلبيس على من يتنكب الاحتجاج به"اه(121).

    الصورة الثانية: أن يركب سند الحديث مع متن حديث آخر، ويجعل متنه مع سند آخر، أو أن يدخل حديثاً في نسخة تروى بسند واحد، ولها وجوه:

    أن يركب إسناداً صحيحاً على متن صحيح.

    أن يركب إسناداً صحيحاً على متن ضعيف.

    أن يركب إسناداً ضعيفاً على متن صحيح.

    أن يركب إسناداً ضعيفاً على متن ضعيف.

    أن يختلق إسناداً على وصف الصحة يركبه على متن صحيح.

    أن يختلق إسناداً على وصف الصحة يركبه على متن ضعيف.

    أن يختلق إسناداً على وصف الضعف يركبه على متن صحيح.

    أن يختلق إسناداً على وصف الضعف يركبه على متن ضعيف.

    فالوجوه الأربعة الأخيرة من الوضع الظاهر للحديث.

    أمّا الوجوه الأولى فهي مع كونها حرام لاتجوز، إلا أن بعضها أخف إثماً من بعض، إذ الوجوه التي لا تختلف فيها مرتبة الحديث أخف إثماً من الوجوه التي تختلف فيها مرتبة الحديث!

    الصورة الثالثة: أن يقلب لفظ الحديث وله وجوه:

    أن يُعطي ما اشتهر لأحد المذكورين في الحديث ما جاء للآخر.

    أن يكون الحديث مفيداً لحكم فيصرفه ويحوله عن وجهه.

    والوجه الثاني هنا أعظم جرماً من الأول.

    الصورة الرابعة: أن يبدل راوٍ في السند اشتهر الحديث بروايته، براوٍ آخر في طبقته، وله وجوه:

    أن يُبدل راوٍ ثقة بآخر ثقة.

    أن يُبدل راوٍ ثقة بضعيف.

    أن يُبدل راوٍ ضعيف بثقة.

    أن يُبدل راوٍ ضعيف بضعيف.

    أن يُبدل راوٍ ثقة بآخر يختلقه.

    أن يُبدل راوٍ ضعيف بآخر يختلقه.

    وهنا تتفاوت درجة الاثم وغلظته بحسب أثر هذا الإبدال في درجة الحديث!

    الصورة الخامسة: أن يقع القلب في السماع، أو أن يسرق السماعات ويدّعي سماع مالم يسمعه من الكتب والأجزاء.

    فهذا كذب، ولكنه ليس كالكذب في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

    قال الذهبي (ت748ه) رحمه الله في كلامه عن المقلوب: "فمن فعل ذلك خطأ فقريب!

    ومن تعمّد ذلك وركب متناً على إسناد ليس له فهو سارق الحديث، وهو الذي يقال في حقه: فلان يسرق الحديث. ومن ذلك أن يسرق حديثاً ما سمعه فيدعي سماعه من رجل.

    وإن سرق فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده فهو أخف جرماً ممن سرق حديثاً لم يصح متنه وركب له إسناداً صحيحاً؛ فإن هذا نوع من الوضع والافتراء، فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام؛ فهو أعظم اثماً، وقد تبوأ بيتاً في جهنم!

    وأمّا سرقة السماع وادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء فهذا كذب مجرّد ليس من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل من الكذب على الشيوخ ولن يُفلح من تعاناه وقلّ من ستر الله عليه منهم. فمنهم من يفتضح في حياته. ومنهم من يفتضح بعد وفاته. فنسأل الله الستر والعفو"اه(122).

    وهذا (أعني: التعمد في القلب) يُفسر وصف بعض الرواة بالقلب أو بالسرقة مع وصفهم بالوضع، فكأنه دليل على أنهم كانوا يتعمدون قلب الأسانيد، فحديثهم موضوع مقلوب.

    أمّا حكم رواية الحديث المقلوب:

    فالظاهر أن ما كان من القلب يأخذ حكم الوضع، فحكم روايته حكم رواية الحديث الموضوع، وما لا يأخذ حكم الوضع فحكم روايته حكم رواية الحديث الضعيف.

    قال الترمذي (ت279ه) رحمه الله: "قَالَ سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ" قُلْتُ لَهُ: مَنْ رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ إِسْنَادَهُ خَطَأٌ أَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِذَا رَوَى النَّاسُ حَدِيثًا مُرْسَلًا فَأَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ قَلَبَ إِسْنَادَهُ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟

    فَقَالَ: لَا إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا رَوَى الرَّجُلُ حَدِيثًا وَلَا يُعْرَفُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلٌ فَحَدَّثَ بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ"اه(123).

    قال ابن الصلاح (ت643ه) رحمه الله عن الحديث الموضوع أنه: ""لاتحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كن إلا مقروناً ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب"اه(124).

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 12:38 pm