التراث والحداثة مصطلحان لم تستطع الحضارة الحديثة بكل ما أوتيت من إمكانات وقوة فكرية وعقلية عقد أواصر المودة بينهما ، فمازال هذان المصطلحان يصطرعان ويتخندقان ويتمترسان تحت مؤسسات ثقافية وعلمية متنوعة ومختلفة ، لكل أنصاره ومعاونيه وحواريه الذين به يحتمون وعنه يذودون ، ولم يقتصر أثرهما على الأدب والفن والفلسفة والعلم بشتى فروعه المعرفية الإنسانية ، بل انتقل الصراع والتصادم إلى دائرة الماديات والمعمار والإنشاء وتخطيط المدن ، حيث ظهرت في الهندسة المعمارية مدارس حداثية وما بعد حداثية متأثرة بطابع الحياة الصناعية والاستهلاكية المعاصرة ، رغم هذا الإنفلات والإنقلاب على الأنماط التقليدية في المعمار والهندسة وتخطيط المدن إلا أن الإنسان بطبعه وميوله الفطرية دائما في حالة توق وحنين إلى الماضي البعيد والقريب والذي يستمد منه جذوره وأصالته الجمالية والمعرفية ، لم يستطع الإنسان الحديث الإفلات من عقال الماضي مهما ادعى من عصرنة وتمدن ، ففي التاريخ أي كان نوعه ماديا أو ثقافيا معنويا ، سلبيا أو ايجابيا ، سنجد فيه الملاذ والمستراح من شبح المستقبل وضغط الحاضر . أيضا لن نجد معارضة من أشد الداعين إلى العصرنة والتحديث العمراني في المحافظة على التراث المعماري سواء أكان هذا التراث بقايا مدن أو تلال أثرية أو قلاع أو حصون أو أسوار أو مساجد أو مدارس أو أبنية أو مقابر أو كهوف في باطن الأرض أو على سطحها أو مدن قديمة أو أحياء تاريخية . وذلك كون هذه المسميات السابقة ترتبط ارتباطا وثيقا وبعرىً متينة لا فكاك منها بما نحن عليه وفيه وإليه ، أي بالماضي والحاضر والمستقبل . وموضوع بحثنا في هذه الحوارية يتعلق بالمدينة القديمة الواقعة بمدينة درنة . وما تعرضت له هذه المدينة من إهمال لا يشبه في صورته ومحتواه إلا العمد . فهذا التدمير شبه المنظم والدراماتيكي في آن الوقت يعجّل بصورة أو بأخرى بقرب القيامة الصغرى للمدينة القديمة ، هذا وقد لاحظت من خلال حديثي مع المهتمين بشأن المدينة القديمة في درنة أنهم أولاً قلة قليلة من الذين بقى فيهم عرق ينبض بحب بل عشق ووله بالمحافظة وإبراز درنة كمدينة لها تاريخ تضرب فيه بنصيب وافر . وثانيا من خلال الحديث معهم أي القلة القليلة أنهم في صراعهم هذا المتعدد الأطراف ، فأحد أطرافه المواطن العادي الذي فقد الحس والوعي بأهمية المدينة القديمة فضلا عن فقدانه الحس والوعي بالمحافظة على مدينته عامة ، والطرف الآخر هو الأجهزة الإدارية والتنفيذية والفنية ذات العلاقة التي تقتلها البيروقراطية. قلت في حديثي معهم لاحظت المرارة التي تنساب في حلوقهم وتنتشر بين ثنايا حروف كلماتهم ، مرارة الإهمال ، مرارة البيروقراطية الإدارية المقيتة ، مرارة ثقافة المواطن ذات البعد الواحد وهو البعد اليومي فقط .
عموما كان هدفنا من هذه الحوارية إبراز المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المدينة القديمة وأسباب تراجع الدور القيمي والتراثي للمدينة القديمة ومن ثم محاولة تلمس حلول والبحث عنها وتقديمها بين يدي الأجهزة الإدارية والرقابية ذات العلاقة والاختصاص . فمذهبنا في هذه الحوارية ليس استخراج المشاكل أو تضخميها ووضعها أمام مرايا مقعرة أو محدبة ؛ إطلاقا ، مذهبنا أن نضع المشكلة كما هي بين يدي القارئ والمسؤول لا تقليل ولا تهويل ، ثم محاولة فتح باب الحوار للبحث عن حلول ناجعة ودعوة أهل الخبرة والاختصاص للبحث والنقاش تدريبا لنا جميعا على البعد الأخلاقي الديمقراطي .
في جلسة رمضانية تحاورنا مع الأستاذ مفتاح عوض اخليفة المولود بمدينة درنة عام 1949 م ، والحاصل على ليسانس آداب من الجامعة الليبية قسم فلسفة واجتماع العام الدراسي 70- 1971 م ، وقد تم تكليفه بعدد من المهام ذات العلاقة بالمدينة القديمة ومنها ، عضو اللجنة الإدارية لحماية المدينة القديمة والآثار بشعبية درنة. وتم تكليفه بمهام الأمين الإداري لحماية المدينة القديمة بتاريخ 30/9/2001 م . وتم تكليفه أمين اللجنة الإدارية لمركز العتيق لتنمية وتطوير وحماية واستثمار المدينة القديمة بقرار اللجنة الشعبية لشعبية درنة رقم 114 لسنة 1371 ور . ثم رئيس لجنة متابعة مشروعات تنمية وتطوير المدينة القديمة بناء على تكليف من متابع مشروعات تنمية وتطوير مدينة درنة . وأخيرا تم تكليفه مندوب جهاز المدن التاريخية بشعبية درنة . كذلك يشغل حاليا أمين مؤتمر جمعية بيت درنة الثقافي .
رغم حالته الصحية حيث أنه قبيل إعداد هذا اللقاء بيوم أو يومين كان عائدا من الجمهورية التونسية بعد إجراء عملية جراحية أجريت له . إلا أنه رحب بنا وكان لنا معه هذا اللقاء .
ـــ أستاذ مفتاحاخليفة ماذا يحدث للمدينة القديمة ، هل هو الإهمال الذي تشربته قطاعات الدولة المختلفة ، هل هو الفساد الإداري ، ماذا يحدث بالضبط ؟ .
- كل هذه العوامل تراكمت بعضها فوق بعض وأدت إلى الحالة الراهنة للمدينة القديمة رغم أننا استطعنا إنقاذ أجزاء مهمة من المدينة القديمة ومعالم ذات قيمة تراثية وإنسانية ، مثل الصيانة التي أجريت لجمعية بيت درنة الثقافي ( الكنيسة الكاثوليكية سابقا ) ، والبياصة الحمراء ( بياصة تعني ساحة بالإيطالية ) ، وما هو جاري الآن من ترميم وصيانة سوق الخرازة وسوق الخضروات . إلا أنني لا أنكر أن هذه العوامل والظروف مجتمعة كان لها أثر بالغ في تردي حالة المدينة القديمة .
ـــ أستاذ مفتاح ، الأجهزة التنفيذية المعنية بالمدينة القديمة مثل مصلحة التخطيط العمراني ، الحرس البلدي التابع للتخطيط العمراني ، الحرس البلدي المكلف بمكتب العتيق لمتابعة المخالفات التي تقع داخل المدينة القديمة ، هذا أصالة . الرقابة الإدارية فيما ترفع إليها من شكاوٍ تتعلق بالمخالفات ، النيابة العامة فيما تباشر من دعاوٍ تتعلق بالمخالفات وما ينطبق عليها من جزاءات نص عليها القانون رقم 3 لسنة 1424ور بشأن حماية المدن التاريخية والآثار ، هذه الأجهزة جميعا كيف كانت درجة حساسيتها تجاه أهمية المدينة القديمة ؟
- بالنسبة للتخطيط العمراني درنة رغم المكاتبات العديدة والمراسلات العديدة التي وجهناها لهم بشأن عدم إصدار تراخيص للهدم أو البناء أو الصيانة إلا بعد الرجوع إلى مركز العتيق لحماية وتطوير واستثمار المدينة القديمة وهذا المركز هو أحد مؤسسات المجتمع المدني التي لا تتلقى أي دعم حكومي بل هو قائم بمهامه استنادا إلى فعاليات المجتمع المهتمة والحريصة على بقاء المدينة القديمة . وحيث أن من مهام المركز مطابقة ومراجعة الخرائط والرسوم الهندسية للمبنى المراد هدمه أو بناءه أو صيانته لشكل ومادة المبنى الأصلي ، وأود أن أننبه هنا إلى أن المدينة القديمة ليست شكلا فقط وهيأة معينة ذات أشكال هندسية مختلفة ، وإنما هي مادة لها روح خاصة ولها تاريخ ، وبالتالي لابد لمركز العتيق أن يطابق المواصفات المقدمة مع ما هو معتمد لدينا . إلا أننا نذهل عندما يذهب رجال الحرس البلدي المكلفين مع مركز العتيق لضبط المخالفات وتحرير محاضر بشأنها وإحالة المخالفين للنيابة العامة ، قلت نذهل عندما يخرج لهم المنتفع بالعقار الواقعة علىه المخالفة متبخترا حاملا بين يديه ترخيصا إما بالهدم أو البناء أو الصيانة صادر عن مصلحة التخطيط العمراني درنة مخالفا هذا الترخيص في شكله ومضمونة اللوائح الخاصة بالبناء داخل المدن القديمة ، هذا عن التخطيط العمراني . أما بالنسبة إلى الحرس البلدي التابع للتخطيط العمراني لا أدري حقيقة الأسباب الكامنة وراء عدم ممارسته لصلاحيته القانونية بشأن ضبط هذه المخالفات ومن ثم إحالتها إلى النيابة العامة ، أيضا الدور الرقابي للحرس البلدي التابع للتخطيط العمراني ، حيث أن كثيرا من المخالفات التي وقعت لو أنه كان هناك دور رقابي وقائي فاعل لما ارتكبت أساسا ولما دخلنا في هذا النفق المظلم من الصراعات المختلفة . أيضا أحب أن أنوه إلى أن الجهات ذات العلاقة بالمدينة القديمة لا تعي ولا تدرك مدى الأهمية التاريخية والإنسانية والتراثية للمدينة القديمة ، فهي ليست مجرد مبانٍ متناثرة هنا وهناك ، لا . بل إن كل قطعة فيها وكل حجر يحكي قصة إنسان هنا عاش وهنا امتدت جذوره في عمق التاريخ ، إنها شاهد على ما أنجزه الإنسان ، إنها الإنسان في صورة أخرى .
وأثناء حوارنا مع الأستاذ مفتاح دخل رجلان من رجالات الحرس البلدي وهما رئيس عرفاء أول عماد عطية بوطلاق ورئيس عرفاء وليد عبد الرحمان المجبري وذلك تحميدا منهما على سلامة الأستاذ مفتاح ، وبما أنهما مكلفان من الحرس البلدي مع مركز العتيق لرقابة وضبط كل ما يتعلق بالمدينة القديمة من مخالفات فقد رأينا إشراكهما في هذه الحوارية ، حيث أفادنا رئيس عرفاء أول عماد بوطلاق باعتبارهم لجنة مكلفة مع مركز العتيق صحبة ملازم أول رمضان الفيتوري ينحصر دورهم في ضبط المخالفات وتحرير محاضر بشأنها وإحالتها إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيق ، كذلك ما لهم من دور رقابي متمثل في الدوريات الليلية ، حيث أن الليل وآخره هو الوقت المناسب لإرتكاب شتى صنوف المخالفات . إلا أنهم لاحظوا تباطؤ الإدارة فيما يتعلق بإتخاذ إجراءات عاجلة احترازية ووقائية من شانها منع تفاقم أوضاع بعينها ، مع العلم أن رئيس عرفاء أول عماد بوطلاق اُبعد عن هذه اللجنة لأسباب قد يكون أقربها على الطريقة الليبية ( الباب اللي تجيك منه الريح سده واستريح ) . ثم يواصل الأستاذ مفتاحاخليفة حديثه قائلا طيب يا سيدي ُضبطت المخالفة الواقعة على العقار سواء بالهدم أو البناء أو الصيانة المخالفة للقواعد المتعارف عليها هندسيا فيما يتعلق بالمدن القديمة ، ُحرر المحضر ، ُأحيل المخالف للنيابة العامة ، ُأحيلت الدعوى للمحكمة المختصة ؛ ثم ماذا ؟ . غرامات بسيطة جدا رغم أن القانون رقم 3 لسنة 1424 ور به عقوبات مالية وعقوبات سالبة للحرية ، وكما تعلم ويعلم الجميع أن معظم المخالفين من أصحاب رؤوس الأموال القادرين على دفع الغرامات دون أن تتحقق الغاية من العقوبة وهي الردع ، المشكلة الأساسية أنه يفترض إزالة المخالفة على حساب مرتكبها وذلك بناءً على الحكم القضائي الصادر بالخصوص ، فيفترض عقلا ومنطقا أن تتم إزالة المخالفة تطبيقا لمعقول ومنقول القانون وهذا ملا يحدث ، أي أن المخالفة الهندسية تستمر شامخة رغم أنف الجميع .
برب
عموما كان هدفنا من هذه الحوارية إبراز المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المدينة القديمة وأسباب تراجع الدور القيمي والتراثي للمدينة القديمة ومن ثم محاولة تلمس حلول والبحث عنها وتقديمها بين يدي الأجهزة الإدارية والرقابية ذات العلاقة والاختصاص . فمذهبنا في هذه الحوارية ليس استخراج المشاكل أو تضخميها ووضعها أمام مرايا مقعرة أو محدبة ؛ إطلاقا ، مذهبنا أن نضع المشكلة كما هي بين يدي القارئ والمسؤول لا تقليل ولا تهويل ، ثم محاولة فتح باب الحوار للبحث عن حلول ناجعة ودعوة أهل الخبرة والاختصاص للبحث والنقاش تدريبا لنا جميعا على البعد الأخلاقي الديمقراطي .
في جلسة رمضانية تحاورنا مع الأستاذ مفتاح عوض اخليفة المولود بمدينة درنة عام 1949 م ، والحاصل على ليسانس آداب من الجامعة الليبية قسم فلسفة واجتماع العام الدراسي 70- 1971 م ، وقد تم تكليفه بعدد من المهام ذات العلاقة بالمدينة القديمة ومنها ، عضو اللجنة الإدارية لحماية المدينة القديمة والآثار بشعبية درنة. وتم تكليفه بمهام الأمين الإداري لحماية المدينة القديمة بتاريخ 30/9/2001 م . وتم تكليفه أمين اللجنة الإدارية لمركز العتيق لتنمية وتطوير وحماية واستثمار المدينة القديمة بقرار اللجنة الشعبية لشعبية درنة رقم 114 لسنة 1371 ور . ثم رئيس لجنة متابعة مشروعات تنمية وتطوير المدينة القديمة بناء على تكليف من متابع مشروعات تنمية وتطوير مدينة درنة . وأخيرا تم تكليفه مندوب جهاز المدن التاريخية بشعبية درنة . كذلك يشغل حاليا أمين مؤتمر جمعية بيت درنة الثقافي .
رغم حالته الصحية حيث أنه قبيل إعداد هذا اللقاء بيوم أو يومين كان عائدا من الجمهورية التونسية بعد إجراء عملية جراحية أجريت له . إلا أنه رحب بنا وكان لنا معه هذا اللقاء .
ـــ أستاذ مفتاحاخليفة ماذا يحدث للمدينة القديمة ، هل هو الإهمال الذي تشربته قطاعات الدولة المختلفة ، هل هو الفساد الإداري ، ماذا يحدث بالضبط ؟ .
- كل هذه العوامل تراكمت بعضها فوق بعض وأدت إلى الحالة الراهنة للمدينة القديمة رغم أننا استطعنا إنقاذ أجزاء مهمة من المدينة القديمة ومعالم ذات قيمة تراثية وإنسانية ، مثل الصيانة التي أجريت لجمعية بيت درنة الثقافي ( الكنيسة الكاثوليكية سابقا ) ، والبياصة الحمراء ( بياصة تعني ساحة بالإيطالية ) ، وما هو جاري الآن من ترميم وصيانة سوق الخرازة وسوق الخضروات . إلا أنني لا أنكر أن هذه العوامل والظروف مجتمعة كان لها أثر بالغ في تردي حالة المدينة القديمة .
ـــ أستاذ مفتاح ، الأجهزة التنفيذية المعنية بالمدينة القديمة مثل مصلحة التخطيط العمراني ، الحرس البلدي التابع للتخطيط العمراني ، الحرس البلدي المكلف بمكتب العتيق لمتابعة المخالفات التي تقع داخل المدينة القديمة ، هذا أصالة . الرقابة الإدارية فيما ترفع إليها من شكاوٍ تتعلق بالمخالفات ، النيابة العامة فيما تباشر من دعاوٍ تتعلق بالمخالفات وما ينطبق عليها من جزاءات نص عليها القانون رقم 3 لسنة 1424ور بشأن حماية المدن التاريخية والآثار ، هذه الأجهزة جميعا كيف كانت درجة حساسيتها تجاه أهمية المدينة القديمة ؟
- بالنسبة للتخطيط العمراني درنة رغم المكاتبات العديدة والمراسلات العديدة التي وجهناها لهم بشأن عدم إصدار تراخيص للهدم أو البناء أو الصيانة إلا بعد الرجوع إلى مركز العتيق لحماية وتطوير واستثمار المدينة القديمة وهذا المركز هو أحد مؤسسات المجتمع المدني التي لا تتلقى أي دعم حكومي بل هو قائم بمهامه استنادا إلى فعاليات المجتمع المهتمة والحريصة على بقاء المدينة القديمة . وحيث أن من مهام المركز مطابقة ومراجعة الخرائط والرسوم الهندسية للمبنى المراد هدمه أو بناءه أو صيانته لشكل ومادة المبنى الأصلي ، وأود أن أننبه هنا إلى أن المدينة القديمة ليست شكلا فقط وهيأة معينة ذات أشكال هندسية مختلفة ، وإنما هي مادة لها روح خاصة ولها تاريخ ، وبالتالي لابد لمركز العتيق أن يطابق المواصفات المقدمة مع ما هو معتمد لدينا . إلا أننا نذهل عندما يذهب رجال الحرس البلدي المكلفين مع مركز العتيق لضبط المخالفات وتحرير محاضر بشأنها وإحالة المخالفين للنيابة العامة ، قلت نذهل عندما يخرج لهم المنتفع بالعقار الواقعة علىه المخالفة متبخترا حاملا بين يديه ترخيصا إما بالهدم أو البناء أو الصيانة صادر عن مصلحة التخطيط العمراني درنة مخالفا هذا الترخيص في شكله ومضمونة اللوائح الخاصة بالبناء داخل المدن القديمة ، هذا عن التخطيط العمراني . أما بالنسبة إلى الحرس البلدي التابع للتخطيط العمراني لا أدري حقيقة الأسباب الكامنة وراء عدم ممارسته لصلاحيته القانونية بشأن ضبط هذه المخالفات ومن ثم إحالتها إلى النيابة العامة ، أيضا الدور الرقابي للحرس البلدي التابع للتخطيط العمراني ، حيث أن كثيرا من المخالفات التي وقعت لو أنه كان هناك دور رقابي وقائي فاعل لما ارتكبت أساسا ولما دخلنا في هذا النفق المظلم من الصراعات المختلفة . أيضا أحب أن أنوه إلى أن الجهات ذات العلاقة بالمدينة القديمة لا تعي ولا تدرك مدى الأهمية التاريخية والإنسانية والتراثية للمدينة القديمة ، فهي ليست مجرد مبانٍ متناثرة هنا وهناك ، لا . بل إن كل قطعة فيها وكل حجر يحكي قصة إنسان هنا عاش وهنا امتدت جذوره في عمق التاريخ ، إنها شاهد على ما أنجزه الإنسان ، إنها الإنسان في صورة أخرى .
وأثناء حوارنا مع الأستاذ مفتاح دخل رجلان من رجالات الحرس البلدي وهما رئيس عرفاء أول عماد عطية بوطلاق ورئيس عرفاء وليد عبد الرحمان المجبري وذلك تحميدا منهما على سلامة الأستاذ مفتاح ، وبما أنهما مكلفان من الحرس البلدي مع مركز العتيق لرقابة وضبط كل ما يتعلق بالمدينة القديمة من مخالفات فقد رأينا إشراكهما في هذه الحوارية ، حيث أفادنا رئيس عرفاء أول عماد بوطلاق باعتبارهم لجنة مكلفة مع مركز العتيق صحبة ملازم أول رمضان الفيتوري ينحصر دورهم في ضبط المخالفات وتحرير محاضر بشأنها وإحالتها إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيق ، كذلك ما لهم من دور رقابي متمثل في الدوريات الليلية ، حيث أن الليل وآخره هو الوقت المناسب لإرتكاب شتى صنوف المخالفات . إلا أنهم لاحظوا تباطؤ الإدارة فيما يتعلق بإتخاذ إجراءات عاجلة احترازية ووقائية من شانها منع تفاقم أوضاع بعينها ، مع العلم أن رئيس عرفاء أول عماد بوطلاق اُبعد عن هذه اللجنة لأسباب قد يكون أقربها على الطريقة الليبية ( الباب اللي تجيك منه الريح سده واستريح ) . ثم يواصل الأستاذ مفتاحاخليفة حديثه قائلا طيب يا سيدي ُضبطت المخالفة الواقعة على العقار سواء بالهدم أو البناء أو الصيانة المخالفة للقواعد المتعارف عليها هندسيا فيما يتعلق بالمدن القديمة ، ُحرر المحضر ، ُأحيل المخالف للنيابة العامة ، ُأحيلت الدعوى للمحكمة المختصة ؛ ثم ماذا ؟ . غرامات بسيطة جدا رغم أن القانون رقم 3 لسنة 1424 ور به عقوبات مالية وعقوبات سالبة للحرية ، وكما تعلم ويعلم الجميع أن معظم المخالفين من أصحاب رؤوس الأموال القادرين على دفع الغرامات دون أن تتحقق الغاية من العقوبة وهي الردع ، المشكلة الأساسية أنه يفترض إزالة المخالفة على حساب مرتكبها وذلك بناءً على الحكم القضائي الصادر بالخصوص ، فيفترض عقلا ومنطقا أن تتم إزالة المخالفة تطبيقا لمعقول ومنقول القانون وهذا ملا يحدث ، أي أن المخالفة الهندسية تستمر شامخة رغم أنف الجميع .
برب