مصطفى محمود: المرأة كتاب.. اقرأه بعقلك ولا تنظر لغلافه
المرأة الجميلة ..كيف يراها صاحب العلم والإيمان؟
يبدو أن حياة الفلاسفة والفنانين والمفكرين لها نكهة خاصة.. يعيشون من خلالها في أجواء تقترب من الأساطير والخيال، رغم ما يتركونه لنا بعد رحيلهم من مصابيح نهتدي بها في ظلمات دروب الحياة، والتي كثيرا ما نكون في أشد الحاجة لها. ولأنهم علماء ومفكرون كانت الضريبة أن تتحول حياتهم إلى ما يشبه حقول التجارب التي نستخلص منها خلاصة خبراتهم، لتكون نبراسا وهداية لحياتنا وسعادتنا وإن كانت على حساب راحتهم وسعادتهم..
وعند الإبحار في حياة الراحل مصطفى محمود، ذلك الأب والفنان والفيلسوف الذي قدم للبشرية خلاصة تجاربه العلمية والفكرية والأدبية والاجتماعية، والتي تركت بصماتها على العديد من الأعمال، نجد أن المرأة والأسرة لم تخل من سجلات اهتمامات الراحل الجليل، فقد تزوج عام 1961 من امرأة أنجب منها أمل وأدهم، لكن لم يلبث أن انتهى هذا الزواج بالطلاق، ثم تزوج ثانية عام 1983 وانتهى هذا الزواج أيضا كسابقه بالطلاق عام 1987، ومن بعدها لم يكرر العالم الجليل هذه التجربة.
تقول ابنته أمل: والدي لم يفقد الذاكرة منذ ذلك التاريخ كما يدعي البعض، ولكنه فضل أن تقتصر حياته علي علاقته بي وبأحفاده الذين كان يحبهم حبا شديدا وكان يجد راحته واستقراره معنا.
فتش عن الجميلة
ولم يتطرق الراحل إلي حياته الشخصية ودوافع انفصاله عن الزوجتين، لا في كتبه ولا للصحافة التي كانت تتهافت منذ عقود لتناول ولو القليل من أخبار ذلك العالم والمفكر والفيلسوف المتميز في مجتمعنا المصري والعربي؛ ولكن قد نخرج من مقاله الأخير عن المرأة الجميلة -التي نشرت في مجلة صباح الخير- بالكثير، وقد تكون تلك هي عصارة فكره عن المرأة وخلاصة تجربته التي أعتبرها هدية قدمها الراحل في طبق من ذهب، سواء للمرأة التي ترغب في الجمال الحقيقي أو للرجل الذي يبحث عن جمال دائم..
فقد كتب يقول:
كل فتاة تحب أن يقال إنها حلوة وساحرة وفاتنة وملكة جمال، والسؤال:
ما الجمال؟
هل الجمال هو البودرة والأحمر والكريم والروج والكحل؟
هل هو لون الشعر وطوله وشكل التسريحة ومقاس الصدر ومحيط الوسط وخرطة الرجلين واستدارة الردفين؟
هل الجمال فستان وباروكة وبوستيش وشنطة وجزمة ونظارة؟
المرأة يخيل لها ذلك.
كل تفكير الكثير من النساء في شكلهن لماذا؟
في المقاسات الخارجية لماذا؟
في اللون والنقشة التي ترسمها حول العين والحاجب والشفة لماذا؟
يخيل لها أن الجمال يكون رسمه على الوجه ويمكن تفصيله بالتخريق والتقميط والمكواة والمشط..
وتنسى أن كل هذا طلاء ودهان، وأنه سوف يذوب ساعة أن تضع رأسها تحت الحنفية، وسوف تتحول إلى وجه بلياتشو بعد أول موجة من العرق، وأنها بعد مشوار في الحر سوف تتحول إلى امرأة أخرى لأن كل ما صنعته كان ديكورا من الخارج.
كل ما فعلته كان سلسة متقنة من الأكاذيب، وعملية رائعة من التلفيق اشترك فيها العطار والصيدلي والخردواتى!
وهو تلفيق لا يمكن أن يكتب له الدوام، حتى الجسم ومقاساته كذبة كبيرة أخرى سرعان ما تفتضح من أول حمل، فيتحول الغزال إلى حصان بلدية، وخصر المها إلى سيد قشطة.
مصيدة للرجال
والوجه الجميل والتقاطيع الدقيقة الحلوة هي نوع من الجمال يفقد تأثيره مع التعود والمعاشرة.
التعود يفقد الشكل طرافته وجدته وحلاوته، وهذا حكم الجمال الخارجي مصيره دائما إلى الزوال وفقدان الأثر.
الجمال الخارجي مجرد مصيدة وجر للرجل.. منحة سخية من الطبيعة للمرأة لتصطاد بها الرجل، ونوع من خداع البصر، فإذا تم المراد ووقع الصيد السمين في الفخ وعقد العقد ووقع المأذون وانتقلت العروسة المزخرفة المزوقة إلى العش الموعود، ومضى شهر أو شهران بدأ الديكور يقع، وبدأ الطلاء يسقط، والدهان يتشقق، وبدأت تظهر النفس التي وراء الذواق والطلاء، ساعتها يبدو الجمال الحقيقي إذا كان هناك جمال حقيقي.
والجمال الحقيقي هو جمال الشخصية وحلاوة السجايا وطهارة الروح، تلك النفس العفيفة الفياضة بالرحمة والمودة والحنان والأمومة.
هي النفس الجميلة والعفيفة، والعفة درجات.. عفة اللسان وعفة اليد وعفة القلب وعفة الخيال وكلها درجات جمال.
هو الخلق الطيب الحميد، والطبع الصبور والحليم، والمتسامح، هو الفطرة الصريحة البسيطة، والروح الشفافة الحساسة.
كل هذه ملامح الجمال الحقيقي.
أي قيمة لوجه جميل وطبع قاس وخوان مراوغ خبيث؟
وأي قيمة لمقاسات الوسط والصدر والقلب مشحون بالطمع والدناءة؟
وأي قيمة للشفاه المرجان، واللسان يقطر بالسم والقطران؟
وأي قيمة للساق الجميلة التي تمتد لك بشلوت، والذراع الفاتنة التي تمتد لك بقبقاب؟
وأي قيمة لباروكة لا يوجد تحتها عقل؟ وأي قيمة لنهد نافر خصصته صاحبته لإرضاع العشاق؟ ولأرداف تتزين للنزوات، وفم فاتن لا ينطق إلا كذبا؟
الروج المناسب للرجل المناسب
إذا أردت أن تحكم على جمال المرأة لا تنظر إليها بعينك وإنما انظر إليها بعقلك لترى ماذا يختفي وراء الديكور، واحذر أن تنظر إليها بعاطفتك أو غريزتك وإلا فإنك سوف تفقد عقلك من أول نظرة، ثم يخيل إليك إنك أمام فينوس الخارجة من زبد البحر.
وفى ضباب الحواس وصخب الإثارة تستحيل الرؤية وتتحول حدائق الحيوان إلى جنات مغرمين، وملامح القردة إلى تقاطيع الملائكة.
المرأة كتاب عليك أن تقرأه بعقلك أولا وتتصفحه دون نظر إلى غلافه قبل أن تحكم على مضمونه، ذوق الناقد وليس ذوق العاشق هو الذي سوف يدلك، ولذلك تحرص المرأة بذكائها على أن تحولك إلى عاشق أولا حتى تفقد عقلك فلا ترى الحقيقة، وأغلب الرجال لا يرون الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، والذين يرون الحقيقة يتحولون إلى فلاسفة فيعشقون الحقيقة لذاتها وينسون المرأة، ويؤلفون الكتب في دراسة الجمال وفلسفة الجمال وينسون حقيقة المرأة الجميلة، وحتى هذا الفيلسوف لا تعدم المرأة وسيلة للضحك عليه فتقابله كل يوم وتحت إبطها كتاب.. ولقد وضعت الروج المناسب للرجل المناسب..!
رحم الله مصطفى محمود، وغفر له زلاته، وأسكنه فسيح جناته.. اللهم آمين.
المرأة الجميلة ..كيف يراها صاحب العلم والإيمان؟
يبدو أن حياة الفلاسفة والفنانين والمفكرين لها نكهة خاصة.. يعيشون من خلالها في أجواء تقترب من الأساطير والخيال، رغم ما يتركونه لنا بعد رحيلهم من مصابيح نهتدي بها في ظلمات دروب الحياة، والتي كثيرا ما نكون في أشد الحاجة لها. ولأنهم علماء ومفكرون كانت الضريبة أن تتحول حياتهم إلى ما يشبه حقول التجارب التي نستخلص منها خلاصة خبراتهم، لتكون نبراسا وهداية لحياتنا وسعادتنا وإن كانت على حساب راحتهم وسعادتهم..
وعند الإبحار في حياة الراحل مصطفى محمود، ذلك الأب والفنان والفيلسوف الذي قدم للبشرية خلاصة تجاربه العلمية والفكرية والأدبية والاجتماعية، والتي تركت بصماتها على العديد من الأعمال، نجد أن المرأة والأسرة لم تخل من سجلات اهتمامات الراحل الجليل، فقد تزوج عام 1961 من امرأة أنجب منها أمل وأدهم، لكن لم يلبث أن انتهى هذا الزواج بالطلاق، ثم تزوج ثانية عام 1983 وانتهى هذا الزواج أيضا كسابقه بالطلاق عام 1987، ومن بعدها لم يكرر العالم الجليل هذه التجربة.
تقول ابنته أمل: والدي لم يفقد الذاكرة منذ ذلك التاريخ كما يدعي البعض، ولكنه فضل أن تقتصر حياته علي علاقته بي وبأحفاده الذين كان يحبهم حبا شديدا وكان يجد راحته واستقراره معنا.
فتش عن الجميلة
ولم يتطرق الراحل إلي حياته الشخصية ودوافع انفصاله عن الزوجتين، لا في كتبه ولا للصحافة التي كانت تتهافت منذ عقود لتناول ولو القليل من أخبار ذلك العالم والمفكر والفيلسوف المتميز في مجتمعنا المصري والعربي؛ ولكن قد نخرج من مقاله الأخير عن المرأة الجميلة -التي نشرت في مجلة صباح الخير- بالكثير، وقد تكون تلك هي عصارة فكره عن المرأة وخلاصة تجربته التي أعتبرها هدية قدمها الراحل في طبق من ذهب، سواء للمرأة التي ترغب في الجمال الحقيقي أو للرجل الذي يبحث عن جمال دائم..
فقد كتب يقول:
كل فتاة تحب أن يقال إنها حلوة وساحرة وفاتنة وملكة جمال، والسؤال:
ما الجمال؟
هل الجمال هو البودرة والأحمر والكريم والروج والكحل؟
هل هو لون الشعر وطوله وشكل التسريحة ومقاس الصدر ومحيط الوسط وخرطة الرجلين واستدارة الردفين؟
هل الجمال فستان وباروكة وبوستيش وشنطة وجزمة ونظارة؟
المرأة يخيل لها ذلك.
كل تفكير الكثير من النساء في شكلهن لماذا؟
في المقاسات الخارجية لماذا؟
في اللون والنقشة التي ترسمها حول العين والحاجب والشفة لماذا؟
يخيل لها أن الجمال يكون رسمه على الوجه ويمكن تفصيله بالتخريق والتقميط والمكواة والمشط..
وتنسى أن كل هذا طلاء ودهان، وأنه سوف يذوب ساعة أن تضع رأسها تحت الحنفية، وسوف تتحول إلى وجه بلياتشو بعد أول موجة من العرق، وأنها بعد مشوار في الحر سوف تتحول إلى امرأة أخرى لأن كل ما صنعته كان ديكورا من الخارج.
كل ما فعلته كان سلسة متقنة من الأكاذيب، وعملية رائعة من التلفيق اشترك فيها العطار والصيدلي والخردواتى!
وهو تلفيق لا يمكن أن يكتب له الدوام، حتى الجسم ومقاساته كذبة كبيرة أخرى سرعان ما تفتضح من أول حمل، فيتحول الغزال إلى حصان بلدية، وخصر المها إلى سيد قشطة.
مصيدة للرجال
والوجه الجميل والتقاطيع الدقيقة الحلوة هي نوع من الجمال يفقد تأثيره مع التعود والمعاشرة.
التعود يفقد الشكل طرافته وجدته وحلاوته، وهذا حكم الجمال الخارجي مصيره دائما إلى الزوال وفقدان الأثر.
الجمال الخارجي مجرد مصيدة وجر للرجل.. منحة سخية من الطبيعة للمرأة لتصطاد بها الرجل، ونوع من خداع البصر، فإذا تم المراد ووقع الصيد السمين في الفخ وعقد العقد ووقع المأذون وانتقلت العروسة المزخرفة المزوقة إلى العش الموعود، ومضى شهر أو شهران بدأ الديكور يقع، وبدأ الطلاء يسقط، والدهان يتشقق، وبدأت تظهر النفس التي وراء الذواق والطلاء، ساعتها يبدو الجمال الحقيقي إذا كان هناك جمال حقيقي.
والجمال الحقيقي هو جمال الشخصية وحلاوة السجايا وطهارة الروح، تلك النفس العفيفة الفياضة بالرحمة والمودة والحنان والأمومة.
هي النفس الجميلة والعفيفة، والعفة درجات.. عفة اللسان وعفة اليد وعفة القلب وعفة الخيال وكلها درجات جمال.
هو الخلق الطيب الحميد، والطبع الصبور والحليم، والمتسامح، هو الفطرة الصريحة البسيطة، والروح الشفافة الحساسة.
كل هذه ملامح الجمال الحقيقي.
أي قيمة لوجه جميل وطبع قاس وخوان مراوغ خبيث؟
وأي قيمة لمقاسات الوسط والصدر والقلب مشحون بالطمع والدناءة؟
وأي قيمة للشفاه المرجان، واللسان يقطر بالسم والقطران؟
وأي قيمة للساق الجميلة التي تمتد لك بشلوت، والذراع الفاتنة التي تمتد لك بقبقاب؟
وأي قيمة لباروكة لا يوجد تحتها عقل؟ وأي قيمة لنهد نافر خصصته صاحبته لإرضاع العشاق؟ ولأرداف تتزين للنزوات، وفم فاتن لا ينطق إلا كذبا؟
الروج المناسب للرجل المناسب
إذا أردت أن تحكم على جمال المرأة لا تنظر إليها بعينك وإنما انظر إليها بعقلك لترى ماذا يختفي وراء الديكور، واحذر أن تنظر إليها بعاطفتك أو غريزتك وإلا فإنك سوف تفقد عقلك من أول نظرة، ثم يخيل إليك إنك أمام فينوس الخارجة من زبد البحر.
وفى ضباب الحواس وصخب الإثارة تستحيل الرؤية وتتحول حدائق الحيوان إلى جنات مغرمين، وملامح القردة إلى تقاطيع الملائكة.
المرأة كتاب عليك أن تقرأه بعقلك أولا وتتصفحه دون نظر إلى غلافه قبل أن تحكم على مضمونه، ذوق الناقد وليس ذوق العاشق هو الذي سوف يدلك، ولذلك تحرص المرأة بذكائها على أن تحولك إلى عاشق أولا حتى تفقد عقلك فلا ترى الحقيقة، وأغلب الرجال لا يرون الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، والذين يرون الحقيقة يتحولون إلى فلاسفة فيعشقون الحقيقة لذاتها وينسون المرأة، ويؤلفون الكتب في دراسة الجمال وفلسفة الجمال وينسون حقيقة المرأة الجميلة، وحتى هذا الفيلسوف لا تعدم المرأة وسيلة للضحك عليه فتقابله كل يوم وتحت إبطها كتاب.. ولقد وضعت الروج المناسب للرجل المناسب..!
رحم الله مصطفى محمود، وغفر له زلاته، وأسكنه فسيح جناته.. اللهم آمين.