طبيبة تعترف بتأثير الأهل ومريضة تحكي تجربة ما بعد الولادة
السعوديات في العيادات النفسية.. فِصَام واكتئاب وعلاج تُفسده النصائح
رولا المسحال- سبق- الرياض: يجد أطباء النفس في السعودية صعوبة في إكمال علاج مرضاهم؛ وذلك لأن كثيرين منهم يصابون باليأس مبكراً، ومنهم من يكتشف وسط رحلة العلاج أن دواءه في طريق آخر؛ فيتجه إلى الرقاة ليخضع لبرنامج جديد يجد فيه البعض راحته، بينما لا يصل آخرون إلى نتيجة؛ ليظلوا حائرين بين "وصفة دواء" و"نصيحة شيخ"، وسؤال دائم: هل هو مريض أم ممسوس؟.
وفي حالة السيدات تحديداً تبدو المسألة أكثر صعوبة؛ فقرار الذهاب إلى طبيب نفسي تحكمه عوامل أخرى، بعضها يرجع إلى الأسرة، وبعضها يتوقف على نصائح الصديقات، وهو ما يعتبره أطباء نفسيون تحدثوا إلى "سبق" أحد أسباب الخلط الذي يحدث بين المرض النفسي من جهة والمس والسحر من جهة أخرى.
وتكشف حالتان اطلعت عليهما "سبق" ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الحيرة، الأولى لفتاة في العشرينيات من عمرها، سرطان الدم قضى على جسدها، وكان أمامها القليل من الوقت، وهو ينفد بسرعة، رفضت العلاج الكيميائي وأي علاج آخر. حاول أهلها إقناعها بشتى الوسائل إلا أنها رفضت قائلة إن الراقي الشرعي أخبرها بأن ما يضعونه في جسدها سموم، وكل ما تعانيه عَيْن ستشفى منها بالقراءة والرقية الشرعية.
أما الثانية فبدأت قصتها - وكما جاء على لسانها -بعد أن وضعت طفلها الأول. أما تفاصيلها فترويها قائلة: "في الأسبوع الثاني من الولادة رفضتُ حمله بين يدَيْ، أو إرضاعه، كلما سمعت صراخه تمنيت لو تمكنت من قتله فقط لأنعم بالهدوء، لم أكن أطيق النظر إليه، شعرت كأنه عقاب لي، عهدت به إلى والدتي التي أصرت على أن ما أمر به عَيْن من إحدى قريباتي بسبب إنجابي مولوداً ذكراً".
قتل الرضيع
وتوضح "م.س" أنها كانت على وشك خنق طفلها، إضافة إلى ما عرّضته له من إهمال، قائلة: "كنت أسمع صراخه ليلاً فلا أستجيب حتى يقوم زوجي ويحمله، وأرفض أن أرضعه. استغرب الجميع مني، واتهموني بأن قلبي قاسٍ".
وأضافت "أمي أصرت على علاجي عند شيخ، واستمعت إلى كلامها لأكثر من أربعة أشهر، أصرّ بعدها زوجي على أخذي إلى طبيب نفسي، الذي أخبرنا بأن العلاج سيستمر أربعة أشهر أخرى بسبب تأخري في الذهاب إليه".
وتشير الإحصاءات إلى أن سيدة من بين ألف تُصاب بما يسمى بـ"اكتئاب" ما بعد الولادة، وأظهرت الدراسات أن إصابة الأمهات باكتئاب ما بعد الولادة له تأثير سلبي على الطفل، يمكنه أن يستمر حتى مرحل الطفولة المتأخرة.
جرائم المرضى
وفي السياق ذاته أكد الدكتور سعد بن عبدالمحسن أحمد الماضي، استشاري مشارك الطب النفسي بالحرس الوطني، لـ"سبق" أن التفرقة بين الأمراض النفسية، أو كما يحب أن يُطلق عليها "الذهانية"، والأمراض الروحانية صعبٌ. مشيراً إلى أن الخَلْط يؤدي في كثير من الأحيان إلى ابتعاد المرضى عن العلاج الصحيح.
وأوضح الماضي أن من أخطر الأمراض التي تصنف في وقتنا الحاضر بحسب منظمة الصحة العالمية هو مرض "الفصام" أو "انفصام الشخصية". مشيرا إلى أن الكثير من المرضى بهذا المرض يتجهون للعلاج بالرقية الشرعية أو يرفضون العلاج؛ ما يؤدي ببعضهم إلى ارتكاب جرائم.
وذكر أن الأمراض الذهانية قد يصحبها هلاوس تأتي على شكل أوامر للمريض قد تدفعه إلى القتل أو ارتكاب جرائم أخرى، ولا يكون مدركاً فيها أن ما يراه أو يسمعه من أوامر غير حقيقي، ويقوم بتنفيذها، وقد تصل إلى القتل. مشيراً إلى أن البعض يفسر مثل هذه الأمراض على أنها مسٌّ سحري.
وأكد الماضي أنه لا يعترض على الرقية الشرعية، ولكنه يرى أن على المريض أن يستمر أثناء الرقية في زيارة طبيبه النفسي واستخدام العلاج.
الرقية مع العلاج حل
ويؤكد الأخصائي النفسي محمد البصيص أنه لا يرى مانعاً من ذهاب أي مريض إلى الشيخ للقراءة عليه، قائلاً: "عندما يسألني مريض هل أتجه للرقية الشرعية أوافقه في ذلك، ولكن أطلب منه أن يذهب بشرط ألا يسمح للراقي بأن يُدخل شيئاً إلى جوفه، وفي الوقت ذاته لا يمتنع عن استكمال علاجه".
ويرى البصيص في اتصال هاتفي مع "سبق" أن نظرة المجتمع إلى من يذهب إلى الطبيب النفسي سبب في توجُّه الكثير من المرضى إلى الرقية الشرعية، قائلاً: "يرجع البعض فشله في حياته العملية أو الاجتماعية إلى المس أو العَيْن بينما يرجع في الحقيقة إلى مرض نفسي، خاصة أن البعض يربط المرض النفسي بضعف الإيمان؛ ما يوقع المريض في الحرج".
وأوضح أنه واجه حالات تكون فيها عائلات بأكملها تعاني هستيريا تتعلق بالسحر والجن؛ حيث إن توهماتهم تغذي بعضها بعضاً. ويقول: "علاجهم تم بفصلهم بعض الوقت". مشيرا إلى أنه كلما قَلّ مستوى التعليم في بعض الحالات زاد الاعتقاد بالسحر والشعوذة بأنها سبب لكثير من الأمراض النفسية وربما الجسدية.
وأكد في الوقت ذاته أنه لا ينكر وجود السحر والعين، وأنه من الصعب إيجاد تعريف لكل منها بشكل مفصل يوضح اللبس، خاصة أن علم النفس، والطب النفسي بخاصة، يعتبران حديثَيْن بعض الشيء في مجتمعاتنا.
70% من مرضاي نساء
وتؤكد الدكتورة دعد المرديني أن 70% من المرضى الذين يترددون على عيادتها من النساء.
وقالت الاستشارية النفسية: "بالرغم من أغلب مرضاي نساء إلا أنه من الصعب أن تلتزم سيدة في جلساتها العلاجية". مرجعة ذلك إلى أن بعض أولياء أمور النساء لا يكونون على اقتناع بأهمية العلاج النفسي أو جدواه.
وأوضحت المرديني أنه من الصعب الفصل بين المس والعين والمرض النفسي، قائلة: "ولكن من الأفضل أن يتجه المريض إلى الطبيب الذي سيتمكن من تحديد ماهية مرضه، ولا ضير في الوقت ذاته من الرقية الشرعية".
وأكدت أن الوعي بأهمية العلاج النفسي ازداد عند الكثير من الناس. مشيرة إلى أنها ترى الكثير من المرضى الذين ينصحهم شيوخ ذهبوا إليهم طلباً للعلاج بزيارة الأطباء النفسيين، بعد أن يؤكدوا لهم أن ما يعانونه ليس له علاقة بالمس أو السحر أو العَيْن.
السعوديات في العيادات النفسية.. فِصَام واكتئاب وعلاج تُفسده النصائح
رولا المسحال- سبق- الرياض: يجد أطباء النفس في السعودية صعوبة في إكمال علاج مرضاهم؛ وذلك لأن كثيرين منهم يصابون باليأس مبكراً، ومنهم من يكتشف وسط رحلة العلاج أن دواءه في طريق آخر؛ فيتجه إلى الرقاة ليخضع لبرنامج جديد يجد فيه البعض راحته، بينما لا يصل آخرون إلى نتيجة؛ ليظلوا حائرين بين "وصفة دواء" و"نصيحة شيخ"، وسؤال دائم: هل هو مريض أم ممسوس؟.
وفي حالة السيدات تحديداً تبدو المسألة أكثر صعوبة؛ فقرار الذهاب إلى طبيب نفسي تحكمه عوامل أخرى، بعضها يرجع إلى الأسرة، وبعضها يتوقف على نصائح الصديقات، وهو ما يعتبره أطباء نفسيون تحدثوا إلى "سبق" أحد أسباب الخلط الذي يحدث بين المرض النفسي من جهة والمس والسحر من جهة أخرى.
وتكشف حالتان اطلعت عليهما "سبق" ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الحيرة، الأولى لفتاة في العشرينيات من عمرها، سرطان الدم قضى على جسدها، وكان أمامها القليل من الوقت، وهو ينفد بسرعة، رفضت العلاج الكيميائي وأي علاج آخر. حاول أهلها إقناعها بشتى الوسائل إلا أنها رفضت قائلة إن الراقي الشرعي أخبرها بأن ما يضعونه في جسدها سموم، وكل ما تعانيه عَيْن ستشفى منها بالقراءة والرقية الشرعية.
أما الثانية فبدأت قصتها - وكما جاء على لسانها -بعد أن وضعت طفلها الأول. أما تفاصيلها فترويها قائلة: "في الأسبوع الثاني من الولادة رفضتُ حمله بين يدَيْ، أو إرضاعه، كلما سمعت صراخه تمنيت لو تمكنت من قتله فقط لأنعم بالهدوء، لم أكن أطيق النظر إليه، شعرت كأنه عقاب لي، عهدت به إلى والدتي التي أصرت على أن ما أمر به عَيْن من إحدى قريباتي بسبب إنجابي مولوداً ذكراً".
قتل الرضيع
وتوضح "م.س" أنها كانت على وشك خنق طفلها، إضافة إلى ما عرّضته له من إهمال، قائلة: "كنت أسمع صراخه ليلاً فلا أستجيب حتى يقوم زوجي ويحمله، وأرفض أن أرضعه. استغرب الجميع مني، واتهموني بأن قلبي قاسٍ".
وأضافت "أمي أصرت على علاجي عند شيخ، واستمعت إلى كلامها لأكثر من أربعة أشهر، أصرّ بعدها زوجي على أخذي إلى طبيب نفسي، الذي أخبرنا بأن العلاج سيستمر أربعة أشهر أخرى بسبب تأخري في الذهاب إليه".
وتشير الإحصاءات إلى أن سيدة من بين ألف تُصاب بما يسمى بـ"اكتئاب" ما بعد الولادة، وأظهرت الدراسات أن إصابة الأمهات باكتئاب ما بعد الولادة له تأثير سلبي على الطفل، يمكنه أن يستمر حتى مرحل الطفولة المتأخرة.
جرائم المرضى
وفي السياق ذاته أكد الدكتور سعد بن عبدالمحسن أحمد الماضي، استشاري مشارك الطب النفسي بالحرس الوطني، لـ"سبق" أن التفرقة بين الأمراض النفسية، أو كما يحب أن يُطلق عليها "الذهانية"، والأمراض الروحانية صعبٌ. مشيراً إلى أن الخَلْط يؤدي في كثير من الأحيان إلى ابتعاد المرضى عن العلاج الصحيح.
وأوضح الماضي أن من أخطر الأمراض التي تصنف في وقتنا الحاضر بحسب منظمة الصحة العالمية هو مرض "الفصام" أو "انفصام الشخصية". مشيرا إلى أن الكثير من المرضى بهذا المرض يتجهون للعلاج بالرقية الشرعية أو يرفضون العلاج؛ ما يؤدي ببعضهم إلى ارتكاب جرائم.
وذكر أن الأمراض الذهانية قد يصحبها هلاوس تأتي على شكل أوامر للمريض قد تدفعه إلى القتل أو ارتكاب جرائم أخرى، ولا يكون مدركاً فيها أن ما يراه أو يسمعه من أوامر غير حقيقي، ويقوم بتنفيذها، وقد تصل إلى القتل. مشيراً إلى أن البعض يفسر مثل هذه الأمراض على أنها مسٌّ سحري.
وأكد الماضي أنه لا يعترض على الرقية الشرعية، ولكنه يرى أن على المريض أن يستمر أثناء الرقية في زيارة طبيبه النفسي واستخدام العلاج.
الرقية مع العلاج حل
ويؤكد الأخصائي النفسي محمد البصيص أنه لا يرى مانعاً من ذهاب أي مريض إلى الشيخ للقراءة عليه، قائلاً: "عندما يسألني مريض هل أتجه للرقية الشرعية أوافقه في ذلك، ولكن أطلب منه أن يذهب بشرط ألا يسمح للراقي بأن يُدخل شيئاً إلى جوفه، وفي الوقت ذاته لا يمتنع عن استكمال علاجه".
ويرى البصيص في اتصال هاتفي مع "سبق" أن نظرة المجتمع إلى من يذهب إلى الطبيب النفسي سبب في توجُّه الكثير من المرضى إلى الرقية الشرعية، قائلاً: "يرجع البعض فشله في حياته العملية أو الاجتماعية إلى المس أو العَيْن بينما يرجع في الحقيقة إلى مرض نفسي، خاصة أن البعض يربط المرض النفسي بضعف الإيمان؛ ما يوقع المريض في الحرج".
وأوضح أنه واجه حالات تكون فيها عائلات بأكملها تعاني هستيريا تتعلق بالسحر والجن؛ حيث إن توهماتهم تغذي بعضها بعضاً. ويقول: "علاجهم تم بفصلهم بعض الوقت". مشيرا إلى أنه كلما قَلّ مستوى التعليم في بعض الحالات زاد الاعتقاد بالسحر والشعوذة بأنها سبب لكثير من الأمراض النفسية وربما الجسدية.
وأكد في الوقت ذاته أنه لا ينكر وجود السحر والعين، وأنه من الصعب إيجاد تعريف لكل منها بشكل مفصل يوضح اللبس، خاصة أن علم النفس، والطب النفسي بخاصة، يعتبران حديثَيْن بعض الشيء في مجتمعاتنا.
70% من مرضاي نساء
وتؤكد الدكتورة دعد المرديني أن 70% من المرضى الذين يترددون على عيادتها من النساء.
وقالت الاستشارية النفسية: "بالرغم من أغلب مرضاي نساء إلا أنه من الصعب أن تلتزم سيدة في جلساتها العلاجية". مرجعة ذلك إلى أن بعض أولياء أمور النساء لا يكونون على اقتناع بأهمية العلاج النفسي أو جدواه.
وأوضحت المرديني أنه من الصعب الفصل بين المس والعين والمرض النفسي، قائلة: "ولكن من الأفضل أن يتجه المريض إلى الطبيب الذي سيتمكن من تحديد ماهية مرضه، ولا ضير في الوقت ذاته من الرقية الشرعية".
وأكدت أن الوعي بأهمية العلاج النفسي ازداد عند الكثير من الناس. مشيرة إلى أنها ترى الكثير من المرضى الذين ينصحهم شيوخ ذهبوا إليهم طلباً للعلاج بزيارة الأطباء النفسيين، بعد أن يؤكدوا لهم أن ما يعانونه ليس له علاقة بالمس أو السحر أو العَيْن.