الرسول صلى الله عليه وسلم بشر..لا يعلم الغيب.. ولا يشفع إلا بإذن الله
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم هو بشر جرت عليه أحكام البشر:
تنقل في أصلاب الرجال حتى استقر في رحم آمنة بنت وهب..فبقي في بطنها تسعة أشهر..ثم ولدته كما تلد النساء..
وبقي وليدا في حجرها ترضعه منها..ثم أرسلته إلى بادية بني سعد فرعى الغنم..وعاش كما يعيش أترابه هناك..ينام ويصحو..يأكل ويشرب..
ثم عاد إلى مكة..وشب فيها..وتزوج لما بلغ الخامسة والعشرين من خديجة بنت خويلد فأولدها ـ كحال كل الرجال ـ كل بنيه عدا إبراهيم..
{ قل إنما أنا بشر مثلكم..}
ثم نال الكرامة العظمى والدرجة العليا فبعثه الله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا.. وخُص مع بقاء بشريته بالوحي وتبليغ الرسالة..
{ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ }
وما كان يرجو ذلك إلا رحمة من ربه:
{ وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك..}
دعا قومه فكذبوه ونعتوه بأقبح الأوصاف والنعوت..وكان عندهم قبلها الأمين..
لقي منهم صنوفا من الأذى وأنواعا تترى من العذاب الجسدي..والنفسي..
وضع أشقاهم سلا الجزور على ظهره الشريف..وهو ساجد وهم يتضاحكون فلم يزله إلا الزهراء..
عرض نفسه على القبائل في مواسم الحج فلم يجيبوه..وكان عمه أبو لهب يمشي خلفه يقول إنه كاذب فلا تصدقوه..
ذهب إلى الطائف فاستقبلوه أقبح استقبال..ورموه حتى أدموا عقبه بأبي هو وأمي..
حاصروه وعشيرته في الشعب ثلاث سنين..
مات عمه وزوجه فكان عام حزن وألم مع ما هو فيه..
اجمعوا على قتله وسفك دمه الطاهر..فخرج متخفيا وبقي كذلك ثلاثة أيام في غار ثور..!
هاجر إلى المدينة..وانتصر في بدر..وفي الجولة الأولى في أحد..ثم دارت الدائرة لما عصى الرماة أمره..فقتل سبعون من أصحابه..منهم عمه..
وشُج وجه..ودخلت حلقات المغفر في وجنته الشريفة..وكسرت رباعيته.. ومسح الدم من وجهه وهو يقول كيف يفلح قوم شجوا نبيهم..فقال الله له:
{ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}
وفي الخندق ربط حجرين على بطنه لشدة جوعه..
ويوم خيبر نهس نهسة من كتف مسموم فكان يعاوده ألمه حتى قطع أبهره فكان سبب موته..
وركب الحمار وأردف معاذا خلفه..
.....................................
فهل في هذه الأفعال شيء فوق البشرية..؟
كلا..غير الوحي الذي خصه الله به..
ومن قال غير فهو مكذّب لله ورسوله..ومن كذّب الله ورسوله..فهو كافر بلا تردد أو وجل..
وقد نهي صلى الله عليه وسلم أن يرفع فوق منزلته فقال كما هو عند البخاري:
(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله)
ولما قال له رجل كما عند الإمام أحمد:" يا سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا" قال صلى اله عليه وسلم:
(يا أيها الناس عليكم بتقواكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله..عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)
ولما لطم مسلم يهوديا لقوله: "والذي اصطفى موسى على العالمين.." رفع أمره إلى الرسول فقال صلى الله عليه وسلم:
(لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله)
وهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم..ولكنه يعلّم أصحابه والمسلمين عدم الغلو فيه..ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله..
وهو بعد هذا لا يعلم من الغيب شيئا بنفسه..ولا يدري ما خبئ له.. وماذا في غده..ولا يملك لنفسه نفعا..ولا ضرا في حياته فضلا عن أن يملكه لغيره بعد موته
يقول الله له:
{ قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا ولو كنت أعلم الغيب لا استكثرت من الخير..
ويقول:
{ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله..}
ويقول:
{قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ}
فالقضية كلها إتباع الوحي الذي خص به وميّز به عن سائر الخلق..
{ قل إنما أتبع ما يوحي إلي ربي..}
فوظيفته محصورة ومقصورة في تلقي الوحي واتباعه وتبليغه..
وانظر إلى هذه القول الفصل الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار من المولى جل شأنه:
{قل ما كنت بدعا من الرسل ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليّ وما أنا إلا نذير مبين}
فمن يقول بعد هذا أن الرسول يعلم شيئا من الغيب بنفسه غير ما أطلعه الله عليه.؟
من قال هذا فقد كذّب الله ومن كذّب الله فهو كافر..بلا تردد أو وجل..كائنا من كان
قال صلى الله عليه وسلم:
(لا يعلم ما في غد إلا الله )
ولما قالت الجاريتان "وفينا نبي يعلم ما في غد" قال:
(أما هذا فلا تقولوه ما يعلم ما في غد إلا الله)
وقالت الصديقة بنت الصديق:
"من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم الفرية على الله والله يقول:
{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}"
وفي رواية عنها رضي الله عنها:
"ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت:
{وما تدري نفس ماذا تكسب غدا}"
ومن قال أنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب بنفسه.. فقد كذبه صلى الله وسلم ومن كذبه..فهو كافر خارج من الملة..بلا تردد أو وجل..
وهو بعد ذلك لا يشفع إلا بإذن الله..فلا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه يقول سبحانه:
{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
يعني لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه..
ويقول:
{يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا}
ويقول:
{ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له..}
والرسول نفسه يقول:
(فأستأذن على ربي..)
فمن قال إن الرسول يشفع مطلقا من غير إذن من الله فقد كذب الله ورسوله..
ومن كذب الله ورسوله فهو كافر..بلا تردد أو وجل..