بقلم حسن فحص - النهار اللبنانية
للمرة الاولى منذ تصاعد حدة التهديدات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل على خلفية الملف النووي ونفوذ الأذرع الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط ودورها في العديد من دوله، يجري الحديث وبشكل علني داخل المؤسسة العسكرية الايرانية وبالتحديد بين قيادات حرس الثورة الإسلامية – الذراع العسكري الإيديولوجي للثورة – عن أهداف محددة في منطقة الخليج قد تشكل اول هدف ايراني ردا على اي هجوم أميركي أو إسرائيلي على منشآت طهران النووية.
قيادة الحرس الثوري وفي "أمر اليوم" الذي وجهته الى كل قطاعات أركانها البرية والبحرية والجوية و"التعبئة – الباسيج"، تحدثت عن استمرار التهديدات الأميركية الإسرائيلية المشتركة ضد ايران خصوصا البرنامج النووي، واعتبرت ان استراتيجية التعاطي الديبلوماسي مع الأزمة الإيرانية التي بدأت بالتبلور مع وصول الرئيس باراك اوباما الى البيت الأبيض قد بدأت بالتراجع، وعاد يطفو على سطح الخطاب الأميركي ما كان سائدا في أدبيات الإدارة السابقة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش واستراتيجية عدم استبعاد الخيار العسكري للحد من طموحات إيران النووية والإقليمية.
وبعيدا عن الجرعة الإيديولوجية التي تميز خطاب القيادة الإيرانية – السياسية والعسكرية، تؤكد هذه القيادة انها على معرفة كاملة بأدبيات الخطاب الأميركي والإسرائيلي في القضايا التي تتعلق بإيران، وان العداء لها متأت من كونها تشكل العائق الأبرز امام بسط النفوذ الأميركي عالميا، فضلا عن انها السبب الرئيس في زعزعة استقرار إسرائيل ووضعها امام تحدي المستقبل الغامض والمصير المجهول ودفعها في مسار الانحدار والاضمحلال من خلال دعمها لقضية الشعب الفلسطيني.
وتعتقد هذه الأوساط ان الوحدة بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية في التعاطي مع المسائل الداخلية والتهديدات الخارجية تشكل الورقة الاقوى في يد النظام الإسلامي للرد الحاسم والقاطع والمدمر على أي اعتداء عسكري من قبل أميركا وإسرائيل، وهو انسجام لا يرقى اليه الشك خصوصا انه يتعلق بالدفاع عن استقلال الأراضي الإيرانية ووحدتها حسب اعتقاد هذه القيادات التي تؤمن بأن النصر سيكون حليفها.
هذه الرؤية شكلت الخلفية الأساسية التي اعتمد عليها مرشد النظام علي خامنئي في خطابه الذي وجهه أخيراً الى قيادات الحرس الثوري في ختام مؤتمرهم العام التاسع عشر والذي تحدث فيه عن "تهديدات الأعداء" واعتبر ان هذه التهديدات سواء كانت "حقيقية او كاذبة" فإن الشعب والمسؤولين سيدافعون عن الجمهورية الإسلامية بكل ما لديهم من قوة.
كلام خامنئي شكل حجر الزاوية في "امر اليوم" لقيادة الحرس الثوري، اذ اعتبر ان هذه التهديدات ان كانت جدية او إعلامية بناء على الاستنتاجات المختلفة منها، لن يكون لها أي تأثير على ارادة الشعب والمسؤولين في النظام الإسلامي بالدفاع عن مكتسباتهم.
وتوقف "امر اليوم" عند نقطتين دعا أعداء إيران للتوقف عندهما:
الأولى: ان الشعب الإيراني جاد في الدفاع عن نفسه، وان على الأعداء التنبه الى ان أي تصرف محتمل غير مدروس سيضعهم في مواجهة شعب متحد ومنسجم لديه دافع قوي للدفاع عن نفسه.
ثانيا: ان الشعب الايراني قادر على الدفاع عن نفسه، وان التهديد الأميركي والصهيوني قد يكون جديا او خاويا، لكن الرد الإيراني سيكون حتما حقيقيا وجديا.
وفي سابقة لم تحدث في أي خطاب او أي من مواقف المؤسسة العسكرية الإيرانية، حيث على العكس كانت تلجأ الى تلطيف أي مواقف او تصريحات كانت تصدر عن أي من المسؤولين اذا كانت تتضمن تهديدات لإحدى دول الجوار خصوصا العربي في الخليج، فقد تحدث "امر اليوم" عن أهداف واضحة للرد الإيراني الأول على أي اعتداء تحديدا في البحرين وإسرائيل، وإضافة الى ان "اذرع إيرانية طويلة" للدفاع عن نفسها بإمكانها سلب الأمن من الأعداء في كل العالم وخصوصا في الشرق الأوسط.
وحذرت القيادة العسكرية الإيرانية الولايات المتحدة من ان مياه الخليج وبحر عمان المحيط الهندي ستتحول مقبرة لقطع الأسطول "الخامس" الأميركي الذي يتخذ من البحرين مقرا له. اما في ما يتعلق بإسرائيل، فان مصيرها سيكون واضحا بعد أي هجوم محتمل ضد إيران، وان أفضل تعبير عن الوضع الإسرائيلي هو "الانتحار العسكري" في حال ارتكاب أي خطأ استراتيجي ضد إيران.
وفي اجراء ينسجم مع التخطيط العسكري الإيراني لمواجهة أي هجوم محتمل، فقد قام الحرس الثوري بنقل قيادة عمليات القوات البحرية من طهران الى ميناء بندر عباس الذي يقع على باب مضيق هرمز ويضمن اكبر قاعدة للقوات البحرية في الجيش والحرس الثوري، إضافة الى تحويل المنطقة خزاناً كبيراً لقواعد إطلاق الصواريخ بأنواعها المختلفة (بر – بر، بر – بحر، بحر – بحر)، إضافة الى إعداد كثيرة من الزوارق الحربية السريعة التي تستطيع المناورة وزرع كميات كبيرة من الألغام البحرية في مضيق هرمز الذي يعتبر المعبر الرئيس لنفط الخليج.
الكلام الجديد في مواقف القيادات العسكرية الإيرانية والتهديد المباشر لبعض الدول الخليجية – خصوصا البحرين البلد المضيف لقاعدة الأسطول الخامس الأميركي – يكشف عن تغيير في الاستراتيجية الإيرانية لمواجهة أي اعتداء قد يتعرض له هذا البلد، وانه سيختار الدخول المباشر في مواجهة مع القوات الأميركية المنتشرة في الخليج وتوجيه ضربة مباشرة لإسرائيل قبل اللجوء الى استخدام اذرعه الإقليمية التي كان ومازال بارعا في استخدامها.
والوضوح الإيراني في اختيار الهدف الأول للرد على أي هجوم محتمل حسم التكهنات الدولية والإقليمية عن طبيعة الرد الإيراني ومكانه الذي كان يشغل الدوائر العسكرية الدولية، لكنه أيضا حسم الجدل داخل القيادة العسكرية الإيرانية التي كانت منقسمة حول طريقة التعاطي مع التطورات التي ستفرضها العقوبات الدولية ضد إيران. وتكشف ان الجناح المتحمس للمواجهة العسكرية هو الذي انتصر على الجناح الداعي للتروي والتفكير بحلول سياسية وديبلوماسية تسمح لإيران بتحقيق تقدم في حوارها مع الغرب حول القضايا الإقليمية وصولا الى الملف النووي من دون تقديم تنازلات قاسية او الدخول في مواجهة قد تقود الى حرب إقليمية مفتوحة على كل الاحتمالات.
(مراسل صحيفة "الحياة" السابق في طهران)